للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كونه عند البخاريّ بفتحتين ما تقدم من التعليق. انتهى (١).

(فَإِنِّي لأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن الفخذ ليس بعورة؛ إذ لو كان عورة لما كشفه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال القرطبيّ: حديث أنس، وما معه إنما ورد في قضايا معينة، في أوقات مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية، أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى حديث جرهد (٢)، وما معه؛ لأنه يتضمن إعطاء حكم كليّ، دماظهار شرع عام، فكان العمل به أولى. انتهى.

وقال النوويّ: ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة، وعن أحمد، ومالك في رواية: العورة: القبل والدبر فقط، وبه قال أهل الظاهر، وابن جرير، والإصطخريّ، قال الحافظ: في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر، فقد ذكر المسألة في "تهذيبه"، وردّ على من زعم أن الفخذ ليست بعورة.

ومما احتجوا به قول أنس في هذا الحديث: "وإن ركبتي لتمس فخذ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ إذ ظاهره أن المس كان بدون الحائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز، وعلى رواية مسلم، ومن تابعه في أن الإزار لم ينكشف بقصد منه - صلى الله عليه وسلم - يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك؛ لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد، لكن لو كانت عورةً لم يُقَرّ على ذلك؛ لمكان عصمته - صلى الله عليه وسلم -، ولو فُرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار، لكان ممكنًا، لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبه، كما في قضية السهو في الصلاة، وسياقه عند أبي عوانة، والجوزقيّ من طريق عبد الوارث، عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك، ولفظه: "فأجرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زُقاق خيبر، وإن ركبتي لتمسّ فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وإني لأرى بياض فخذيه". انتهى (٣).


(١) "الفتح" ٢/ ٨٦.
(٢) أراد به ما أخرجه أحمد، والترمذيّ، وحسّنه، وصححه ابن حبّان عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن جدّه جرهد، قال: مرّ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا في المسجد، وعليّ بردة، وقد انكشفت فخذي، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "غطّ فخذك، يا جرهد، فإن الفخذ عورة".
(٣) "الفتح" ٢/ ٨٦، ٨٧.