للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل، وألجأهم إلى القصر، فصالحوه على أن يُجلوا منها، وله الصفراء، والبيضاء، والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على أن لا يكتموا، ولا يُغيّبوا. . ." الحديث، وفي آخره: "فسبَى نساءهم، وذراريّهم، وقسَّم أموالهم؛ للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يُجليهم، فقالوا: دَعْنَا في هذه الأرض نُصلحها. . ." الحديث. أخرجه أبو داود، والبيهقيّ، وغيرهما. وكذلك أخرجه أبو الأسود في "المغازي" عن عروة. فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم، فزال أثر الصلح، ثمّ منّ عليهم بترك القتل، وإبقائهم عُمّالًا بالأرض، ليس لهم فيها ملكٌ، ولذلك أجلاهم عمر - رضي الله عنه -، فلو كانوا صُولحوا على أرضهم لم يُجْلَوا منها. والله أعلم.

قال: وقد احتجّ الطحاويّ على أن بعضها فُتح صلحًا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بُشَير بن يسار: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا قسم خيبر، عزل نصفها لنوائبه، وقسم نصفها بين المسلمين"، وهو حديث اختُلف في وصله وإرساله، وهو ظاهر في أن بعضها فُتح صُلحًا. والله أعلم. انتهى ما في "الفتح" بتصرّف يسير (١).

وقال ابن المنذر: اختلفوا في فتح خيبر، كانت عنوة، أو صلحًا، أو جلاء أهلها عنها بغير قتال، أو بعضها صلحًا، وبعضها عنوةً، وبعضها جلاء أهلها عنها. قال: وهذا هو الصحيح، وبهذا أيضًا يندفع التضادّ بين الآثار. ذكره العينيّ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر: من أن بعضها فتح قهرًا، وبعضها فتح صلحًا، وبعضها أجلي أهلها عنها هو الحقّ؛ جمعًا بين الأحاديث، وأما ردّ ابن عبد البرّ بأن أنسًا صرّح بأن خيبر فُتحت عنوةً، فلا وجه له؛ لأن "العنوة" - كما تقدّم في كلام أهل اللغة - تُطلق على القهر والغلبة، وعلى الصلح، من الأضداد، فلا دلالة لها على ما قاله، بل الحقّ أن


(١) "الفتح" ٨/ ٢٥٥، ٢٥٦، كتاب "المغازي".
(٢) "عمدة القاري" ٣/ ٣٢٦.