يُصنع عند الختم، أي ختم القرآن، كذا قيّده، ويَحْتَمِل ختم قدر مقصود منه، ويَحْتَمِل أن يطّرد ذلك في حِذقه لكلّ صناعة، وذكر المحامليّ في "الرونق" في الولائم: "العَتِيرة" - بفتح المهملة، ثم مثنّاة مكسورة - وهي شاة تذبح في أول رجب، وتُعُقّب بأنها في معنى الأضحية، فلا معنى لذكرها مع الولائم.
وأما المأدبة، ففيها تفصيلٌ؛ لأنها إن كانت لقوم مخصوصين، فهي النَّقَرَى - بفتح النون والقاف، مقصورًا - وإن كانت عامّةً، فهي الْجَفَلَى - بجيم، وفاء، بوزن الأول -، قال الشاعر [من الرمل]:
نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى … لَا تَرَى الآدِبَ مِنَّا يَنْتَقِرْ
وَصَفَ قومه بالجود، وأنهم إذا صنعوا مأدبة دعوا إليها عمومًا، لا خصوصًا، وخصّ الشتاء؛ لأنها مظنّة قلّة الشيء، وكثرة احتياج من يُدعَى، و"الآدب": اسم الفاعل من المأدبة، وينتقر مشتقّ من النقَرَى. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد نظمت ما تقدّم من أسماء الولائم، فقلت:
إِنَّ الْوَلَائِمَ لَدَيْهِمْ عَشَرَهْ … مَعْ وَاحِدٍ أَرَدتُّ أَنْ أحَبِّرَه
إِعْذَارُهُمْ لِلْخَتْنِ وَالْعَقِيقَةُ … عِنْدَ الْوِلَادَةِ تَلِي النَّقِيعَةُ
عِنْدَ قُدُومِ مَنْ غَدَا مُسَافِرَا … وَالْخُرْسُ لِلطَّلْقِ إِذَا تَيَسَّرَا
لِلْمَسْكَنِ الْجَدِيدِ قُلْ وَكِيرَةُ … وَلِلْمُصِيبَةِ تُرَى الْوَضِيمَةُ
مَأْدُبَةٌ تُصْنَعُ لَا بِسَبَبِ … وَتُحْفَةٌ تُصْنَعُ لِلْمُغْتَرِبِ
وَبَعْضُهُمْ خَصَّ الْوَلِيمَةَ بِمَا … يُصْنَعُ فِي دُخُولِ زَوْجٍ فَاعْلَمَا
أَمَّا الَّذِي يُصْنَعُ لِلإِمْلَاكِ قَدْ … سَمَّوْهُ بِالشُّنْدُخِ أَيُّهَا السَّنَدْ
يُدْعَى الْحِذَاقَ عِنْدَ حِذْقِ مَنْ قَرَا … أَوْ مُطْلَقٌ لِحِذْقِ صَانِعٍ يُرَى
عَتِيرَةٌ فِي رَجَبٍ وَالْبَعْضُ قَدْ … جَعَلَهَا مِنَ الأَضَاحِي تُعْتَمَدْ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوليمة:
قال ابن قدامة - رحمه الله - ما ملخّصه: لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة سنّةٌ في الْعُرس مشروعة، قال: وليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم، وقال
(١) "الفتح" ١١/ ٥٣٦ - ٥٣٨.