للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعض أصحاب الشافعيّ: هي واجبة. انتهى (١).

وقال البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه": [باب الوليمةُ حقّ]، قال ابن بطّال: قوله: "الوليمة حقّ" أي ليست بباطل، بل يُندب إليها، وهي سنّة فضيلة، وليس المراد بالحقّ الوجوب، ثم قال: ولا أعلم أحدًا أوجبها.

قال الحافظ: كذا قال، وغَفَل عن رواية في مذهبه بوجوبها، نقلها القرطبيّ، وقال: إن مشهور المذهب أنها مندوبة، وابن التين عن مذهب أحمد، لكن الذي في "المغني" أنها سنّة، بل وافق ابن بطال في نفي الخلاف بين أهل العلم في ذلك، قال: وقال بعض الشافعيّة: هي واجبة؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بها عبد الرحمن بن عوف، ولأن الإجابة إليها واجبة، فكانت واجبة.

وأجاب بأنه طعام لسرور حادثٍ، فأشبه سائر الأطعمة، والأمر محمول على الاستحباب، بدليل ما ذكرناه، ولكونه أمره بشاة، وهي غير واجبة اتفاقًا، وأما البناء فلا أصل له.

قال الحافظ: والبعض الذي أشار إليه من الشافعيّة هو وجهٌ معروفٌ عندهم، وكذلك حكى الوجوب في "البحر" عن أحد قولي الشافعيّ، وقد جزم به سُليم الرازيّ، وقال: إنه ظاهر نصّ "الأمّ"، ونقله عن النصّ أيضًا أبو إسحاق الشيرازيّ في "المهذّب"، وهو قول أهل الظاهر، كما صرّح به ابن حزم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن من النظر في الأدلّة أن الأرجح هو مذهب من قال بوجوب الوليمة على القادر عليها؛ لأنها ثبتت عنه - صلى الله عليه وسلم - قولًا وفعلًا، والقول أمرٌ، وهو للوجوب إلا عند وجود صارف عنه، والقائلون بالاستحباب لم يأتوا بصارف، غير دعوى الإجماع، وقد عرفت أنها دعوى باطلة، فقد قال بالوجوب بعض أهل العلم، وهو نصّ الشافعيّ في "الأمّ"، وقول أهل الظاهر، فلا إجماع، فبقي دليل الوجوب بلا معارض، فوجب القول به، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المغني" ١٠/ ١٩٢ - ١٩٣.
(٢) "الفتح" ١١/ ٥١٨ - ٥١٩.