للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم إجابة الدعوة:

ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الإجابة إليها، وهو المشهور عند الشافعيّة، والحنابلة، وقالوا: إنها فرض عين، ونصّ عليه مالك، وقال به أهل الظاهر، ونقل القاضي عياض الاتفاق عليه، وابن عبد البرّ الإجماع عليه، وذهب بعضهم إلى استحبابها، قاله بعض الشافعيّة، والحنابلة، وقال أبو الحسن من المالكيّة: إنه المذهب، وصرّح صاحب "الهداية" من الحنفيّة بأن الإجابة سنّةٌ، لكنه استدلّ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يُجب الدعوة، فقد عصى أبا القاسم"، وشبّهها فيما إذا كان هناك غناء ونحوه بصلاة الجنازة واجبة الإقامة، وإن حضرتها نياحة، وذلك يُفْهِمُ الوجوب.

وقال بعض الشافعيّة، والحنابلة: إجابتها فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين.

وحكى الشيخ تقيّ الدين في "شرح الإلمام" عن بعضهم أنه خصّ الوجهين في إجابتها فرض عين، أو كفاية بما إذا دُعي الجميع، وقال: لو خصّ كلّ واحد بالدعوة، تعيّنت الإجابة على الكلّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور، وهو كون الإجابة فرض عين، هو الحقّ؛ لوضوح أدلّته؛ كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "ومن ترك الدعوة، فقد عصى الله ورسوله"، متّفقٌ عليه، وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "من دُعي إلى وليمة، فلم يأتها، فقد عصى الله ورسوله"، رواه أبو عوانة في "صحيحه". فهذا نصّ صريح في عصيان من لم يجب الدعوة، ولا يُطلق العصيان إلا على ترك الواجب، كما أفاده في "الفتح" (٢).

والحاصل أن إجابة الدعوة فرض عين، إلا لمانع، وسيأتي بيانه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم إجابة الدعوة غير العُرْس:


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٧/ ٧٠ - ٧١.
(٢) "الفتح" ١١/ ٥٣٨.