سعيد بن المسيّب، ثم ساق بسنده الصحيح عنه، قال: يقول الناس: لا تحلّ للأول حتى يُجامعها الثاني، وأنا أقول: إذا تزوّجها تزويجًا صحيحًا، لا يريد بذلك إحلالها للأول، فلا بأس أن يتزوّجها الأول، وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وفيه تعقّب على من استبعد صحته عن سعيد، قال ابن المنذر: وهذا القول لا نعلم أحدًا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج، ولعلّه لم يبلغه الحديث، فأخذ بظاهر القرآن.
قال الحافظ: سياق كلامه يُشعر بذلك.
وفيه دلالة على ضعف الخبر الوارد في ذلك، وهو ما أخرجه النسائيّ (٣٤١٥) من رواية شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين، عن سالم بن عبد الله، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، رفعه في الرجل تكون له المرأة، فيُطلّقها، ثم يتزوّجها آخر، فيُطلّقها قبل أن يدخل بها، فترجع إلى الأول، فقال:"لا، حتى تذوق العسيلة"، وقد أخرجه النسائيّ أيضًا (٣٤١٦) من رواية سفيان الثوريّ، عن علقمة بن مرثد، فقال: عن رزين بن سليمان الأحمريّ، عن ابن عمر نحوه، قال النسائيّ: هذا أولى بالصواب، وإنما قال ذلك؛ لأن الثوريّ أتقن، وأحفظ من شعبة، وروايته أولى بالصواب من وجهين:
[أحدهما]: أن شيخ علقمة شيخهما هو رزين بن سليمان، كما قال الثوريّ، لا سالم بن رزين، كما قال شعبة، فقد رواه جماعة عن علقمة كذلك، منهم: غيلان بن جامع، أحد الثقات.
[ثانيهما]: أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، مرفوعًا ما نسبه إلى مقالة الناس الذين خالفهم.
ويؤخذ من كلام ابن المنذر أن نقل أبي جعفر النحّاس في "معاني القرآن"، وتبعه عبد الوهّاب المالكيّ في "شرح الرسالة" القول بذلك عن سعيد بن جبير وَهَمٌ، وأعجب منه أن أبا حبان (١) جزم به عن السعيدين: سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، ولا يُعرف له سندٌ عن سعيد بن جبير في
(١) هكذا نسخة "الفتح": "حبان" بالباء الموحّدة، فليُحرّر.