"ملعونٌ مَن أتى امرأة في دبرها"، قال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين، ولا غيرهم من الحيوان، في حال من الأحوال، والله أعلم. انتهى (١).
وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ}: معناه عند الجمهور من الصحابة، والتابعين، وأئمة الفتوى: من أيّ وجه شئتم، مقبلةً، ومدبرةً، كما ذكرنا أنفًا، و"أَنَّى" تجيء سؤالًا، وإخبارًا عن أمر له جهات، فهي أعم في اللغة من "كيف"، ومن "أين"، ومن "متى"، هذا هو الاستعمال العربيّ في "أَنَّى"، وقد فسّر الناس "أَنَّى" في هذه الآية بهذه الألفاظ، وفسّرها سيبويه بـ "كيف"، و"من أين" باجتماعهما.
وذهبت فرقة ممن فسرها بـ "أين" إلى أن الوطء في الدبر مباحٌ، وممن نُسب إليه هذا القول سعيد بن المسيِّب، ونافع، وابن عمر، ومحمد بن كعب القُرَظيّ، وعبد الملك بن الماجشون، وحُكِي ذلك عن مالك في كتاب له يُسَمَّى "كتاب السرّ"، وحُذّاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سرّ، ووقع هذا القول في "الْعُتبية"، وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زُمْرة كبيرة من الصحابة، والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة، في كتاب "جماع النسوان، وأحكام القرآن".
وقال إِلْكِيا الطبريّ: ورُوي عن محمد بن كعب القرظيّ أنه كان لا يرى بذلك بأسًا، ويتأول فيه قول الله: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: ١٦٥، ١٦٦]، وقال: فتقديره: تتركون مثل ذلك من أزواجكم، ولو لم يُبَحْ مثل ذلك من الأزواج لَمَا صحّ ذلك، وليس المباح من الموضع الآخر مِثْلًا له حتى يقال: تفعلون ذلك، وتتركون مثله من المباح، قال إلكيا: وهذا فيه نظر؛ إذ معناه: وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعًا، فيجوز التوبيخ على