للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حسان وشهيرة، رواها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر صحابيًّا، بمُتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الإدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في "مسنده"، وأبو داود، والنسائيّ، والترمذيّ، وغيرهم، وقد جمعها أبو الفرج ابن الجوزيّ بطرقها في جزء سماه "تحريم المحل المكروه"، ولشيخنا أبي العباس (١) أيضًا في ذلك جزء سمّاه "إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار".

قال القرطبيّ: وهذا هو الحقّ الْمُتَّبَع، والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعَرِّج في هذه النازلة على زَلَّة عالم، بعد أن تصح عنه، وقد حُذِّرنا من زلة العالم، وقد رُوي عن ابن عمر خلاف هذا، وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به - رضي الله عنه -، وكذلك كَذَّب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائيّ، وقد تقدم، وأنكر ذلك مالك، واستعظمه، وكَذَّب من نسب ذلك إليه، ورَوَى الدارميّ أبو محمد في "مسنده" عن سعيد بن يسار أبي الْحُبَاب، قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري حين أُحَمِّض بهنّ؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت له الدبر، فقال: هل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟.

وأسند عن خزيمة بن ثابت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيها الناس إن الله لا يستحي من الحقّ، لا تأتوا النساء في أعجازهنّ" (٢)، ومثله عن عليّ بن طلق، وأسند عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى امرأة في دبرها، لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة" (٣)، ورَوَى أبو داود الطيالسيّ في "مسنده"، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "تلك اللُّوطيّة الصغرى"، يعني إتيان المرأة في دبرها، ورُوي عن طاوس أنه قال: كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهنّ.

قال ابن المنذر: وإذا ثبت الشيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استُغْنِي به عما سواه. انتهى كلام أبي عبد الله القرطبيّ - رحمه الله - (٤)، وبحثٌ نفيسٌ جدًّا، خلاصته أن جمهور أهل العلم على تحريم وطء النساء في أدبارهنّ، وهو الحقّ؛ لقوّة حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) يعني القرطبيّ صاحب "المفهم".
(٢) صححه ابن حبّان.
(٣) صححه ابن حبّان أيضًا.
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ٣/ ٩٣ - ٩٦.