للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعلى هذه القصة (١) اعتمد المتأخرون من المالكية، فلعل مالكًا رجع عن قوله الأول، أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر، فلم يعمل به، وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته.

ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول، فقد أخرج أبو يعلى، وابن مردويه، وابن جرير، والطحاوي من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، أن رجلًا أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا: نُعَيِّرُها، فأنزل الله هذه الآية، وعلّقه النسائيّ عن هشام بن سعيد، عن زيد، وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهورٌ، وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس، وبلغه حديث ابن عمر، فَوَهَّمه فيه، فروى أبو داود، من طريق مجاهد، عن ابن عباس، قال: إن ابن عمر، وَهِمَ واللهُ يغفر له، إنما كان هذا الحيّ من الأنصار، وهم أهل وثن مع هذا الحيّ من يهود، وهم أهل كتاب، فكانوا يأخذون بكثير من فعلهم، وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فأخذ ذلك الأنصار عنهم، وكان هذا الحىّ من قريش، يتلذذون بنسائهم، مقبلاتٍ، ومدبراتٍ، ومستلقياتٍ، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار، فذهب يفعل فيها ذلك، فامتنعت فَسَرَى أمرهما حتى بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، مقبلاتٍ، ومدبراتٍ، ومستلقياتٍ في الفرج، أخرجه أحمد، والترمذيّ، من وجه آخر صحيح، عن ابن عباس، قال: جاء عمر، فقال: يا رسول الله، هلكتُ، حوَّلتُ رحلي البارحة، فأنزلت هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، أَقْبِلْ، وأَدْبِرْ، واتَّقِ الدبر، والحيضة. وهذا الذي حَمَل عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب، في سبب نزول الآية.

ورَوَى الربيع في "الأم" عن الشافعي قال: احْتَمَلَت الآية معنيين: أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها؛ لأن "أَنَّى" بمعنى "أين شئتم"، واحْتَمَلت أن يراد بالحرث موضع النبات، والموضع الذي يراد به الولد، هو الفرج، دون ما سواه، قال: فاختلف أصحابنا في ذلك، وأحسب أن كلًّا من


(١) لكن عرفت أنها ضعيفة؛ لأن إسرائيل الراوي عن مالك مجهول، كما قال الذهبيّ.