الفريقين تأوّل ما وصفت، من احتمال الآية، قال: فطلبنا الدلالة، فوجدنا حديثين أحدهما: ثابتٌ، وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم، فقَوِي عنده التحريم.
ورَوَى الحاكم في "مناقب الشافعي" من طريق ابن عبد الحكم أنه حَكَى عن الشافعيّ مناظرةً جرت بينه وبين محمد الحسن في ذلك، وأن ابن الحسن احتَجَّ عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج، فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرمًا، فالتزمه، فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها، أو في أعكانها، أفي ذلك حرث؟ قال: لا، قال: أفيحرم؟ قال: لا، قال: فكيف تحتجّ بما لا تقول به؟ قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، وأما في الجديد فصرح بالتحريم. انتهى.
ويَحْتَمِل أن يكون ألزم محمدًا بطريق المناظرة، وإن كان لا يقول بذلك، وإنما انتصر لأصحابه المدنيين، والحجة عنده في التحريم غير المسلك الذي سلكه محمد، كما يشير إليه كلامه في "الأم".
وقال المازريّ: اختَلَفَ الناس في هذه المسألة، وتعلَّق مَن قال بالحل بهذه الآية، وانفصل عنها من قال: يحرم بأنها نزلت بالسبب الوارد في حديث جابر في الردّ على اليهود، يعني كما في حديث الباب، قال: والعموم إذا خرج على سبب قُصِر عليه عند بعض الأصوليين، وعند الأكثر العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وهذا يقتضي أن تكون الآية حجة في الجواز، لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع، فتكون مخصصة لعموم الآية، وفي تخصيص عموم القرآن ببعض خبر الآحاد خلاف. انتهى.
وذهب جماعة من أئمة الحديث، كالبخاريّ، والذهليّ، والبزار، والنسائيّ، وأبي عليّ النيسابوريّ إلى أنه لا يثبت فيه شيءٌ.
قال الحافظ: لكن طرقها كثيرة، فمجموعها صالح للاحتجاج به، ويؤيد القول بالتحريم أنّا لو قَدَّمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حُرِّم، والأصل عدمه.
فمن الأحاديث الصالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابت، أخرجه أحمد، والنسائيّ، وابن ماجه، وصححه ابن حبان.