للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلًا؛ لقوله: "حتى تصبح"، وكأن السرّ تأكُّد ذلك الشأن في الليل، وقوّة الباعث عليه، ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وإنما خص الليل بالذِّكر؛ لأنه المظنة لذلك. انتهى (١).

وقد وقع في رواية يزيد بن كيسان، عن أبي حازم الآتية عند مسلم، بلفظ: "والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها، حتى يرضى عنها".

ولابن خزيمة، وابن حبان، من حديث جابر - رضي الله عنه - رفعه: "ثلاثة لا تُقبل لهم صلاة، ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة: العبد الآبق، حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها، حتى يرضى"، فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار.

وقوله: "فأبت أن تجيء" زاد أبو عوانة، عن الأعمش: "فبات غضبان عليها"، وبهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن؛ لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك، فإنه يكون إما لأنه عَذَرَها، وإما لأنه تَرَك حقه من ذلك.

(هَاجِرَةً) منصوب على الحال، وهو اسم فاعل من هَجَره، من باب نصر، هَجْرًا، وهِجْرَانًا بالكسر: إذا صَرَمه، والشيءَ: تركه، كأهجره (٢).

وفي رواية البخاريّ بلفظ: "مهاجرةً"، قال في "العمدة": هو من باب المفاعلة في الأصل، ولكن هنا بمعنى هاجرةً؛ لأن فاعلَ قد يأتي بمعنى فَعَلَ، نحو قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية [آل عمران: ١٣٣]؛ أي: أسرعوا، قال: وتُوَضِّحه رواية مسلم: "إذا باتت المرأة هاجرةً"، وهو اسم فاعل من هَجَرَ، ومُهاجِرة: اسم فاعل من هاجر، وإذا كان الهجر منه، فلا يترتب عليها شيء من ذلك. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": قوله: "مهاجرةً" فليس هو على ظاهره في لفظ المفاعلة، بل المراد أنها هي التي هَجَرت، وقد تأتي لفظ المفاعلة، ويراد بها


(١) "بهجة النفوس" ٣/ ٢٢٩.
(٢) راجع: "القاموس المحيط" ٢/ ١٥٧.
(٣) "عمدة القاري" ٢٠/ ١٨٥.