للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وخصّه بعضهم بالعزل عن الحامل؛ لزوال المعنى الذي كان يحذره الذي يَعزل من حصول الحمل. لكن فيه تضييعُ الحمل؛ لأن المنيّ يغذوه، فقد يؤدّي العزل إلى موته، أو إلى ضعفه المفضي إلى موته، فيكون وَأْدًا خفيًّا.

وجمعوا أيضًا بين تكذيب اليهود في قولهم: الموؤودة الصغرى، وبين إثبات كونه وأدًا خفيًّا في حديث جدامة بأن قولهم: الموؤودة الصغرى يقتضي أنه وأدٌ ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيًّا، فلا يعارض قوله: إن العزل وأدٌ خفيّ، فإنه يدلّ على أنه ليس في حكم الظاهر، فلا يترتّب عليه حكم، وإنما جعله وأدًا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة.

وقال بعضهم: قوله: "الوأد الخفيّ" وَرَدَ على طريقة التشبيه؛ لأنه قطع طريق الولادة قبل مجيئه، فأشبه قتل الولد بعد مجيئه.

قال ابن القيّم: الذي كُذِّبَت فيه اليهودُ زعمهم أن العزل لا يُتصوّر معه الحمل أصلًا، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم، وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدًا حقيقةً، وإنما سمّاه وأدًا خفيًّا في حديث جدامة؛ لأن الرجل إنما يعزل هربًا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة، اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلّق بالقصد صِرْفًا، فلذلك وصفه بكونه خفيًّا.

قال الحافظ: فهذه عدّة أجوبة يقف معها الاستدلال بحديث جدامة على المنع.

قال: وقد جنح إلى المنع من الشافعيّة ابن حبّان (١)، فقال في "صحيحه":


(١) قال الجامع: في جعله ابن حبّان من مقلّدي الشافعيّ نظر لا يخفى؛ لأن من تتبّع مذهبه في "صحيحه" يعلم يقينًا أنه لا يقلّد الشافعيّ ولا غيره، بل هو كسائر أهل الحديث مجتهد، يتبع الدليل، ولا ينظر إلى قول أحد بلا دليل، وهذا هو مذهب الشيخين، وأصحاب السنن، وقد قدّمت هذا البحث مستوفًى في "شرح المقدّمة" (١/ ١٢ - ١٤) عند ذكر مذهب الإمام مسلم - رحمه الله -، فراجعه، وكذا حقّقت البحث في التقليد في "التحفة المرضيّة" و"شرحها" (٣/ ٥٣٥) بما فيه الكفاية، فراجعه تستفد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.