للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه لا حجة في أقوالهنّ، ولهذا سكتت أمّ سلمة لما قالت لها عائشة: أما لك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوةٌ حسنةٌ؟، ولو كانت هذه السنّة مختصّةً بسالم لَبَيَّنَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما بيّن اختصاص أبي بردة بالتضحية بالْجَذَع من المعز، واختصاص خزيمة بأن شهادته كشهادة رجلين (١).

وذهب بعضهم إلى أن الرضاع يُعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة، كرضاع الكبير الذي لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشقّ احتجابها منه، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيميّة، ورجّحه الشوكانيّ، قال: وبه يحصل الجمع بين الأحاديث، وذلك بأن تجعل قصّة سالم المذكورة مخصّصةً لعموم: "إنما الرضاع من المجاعة"، و"لا رضاع إلا في الحولين"، و"لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام"، و"لا رضاع إلا ما أنشر العظم، وأنبت اللحم". وهذه طريقةٌ متوسّطةٌ بين طريقة من استدلّ بهذه الأحاديث على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقًا، وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقًا؛ لِمَا لا يخلو عنه كلّ واحدة من هاتين الطريقتين من التعسّف.

ويؤيّد هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب، وهي مصرّحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية، فلا يُخصّ منها غير من استثناه الله تعالى، إلا بدليل، كقضيّة سالم، وما كان مماثلًا لها في تلك العلّة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب، من غير أن يقيّد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب، ولا بشخص من الأشخاص، ولا بمقدار من عمر الرضيع معلوم، وقد ثبت في حديث سهلة أنها قالت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن سالمًا ذو لحية، فقال: "أرضعيه". انتهى كلام الشوكانيّ - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن هذا القول الثالث المفصِّل كما ذهب إليه ابن تيميّة، ورجحه الشوكانيّ - رحمهما الله تعالى - هو الأرجح؛ إذ به يحصل التوفيق بين الأدلة، وحاصله أن رضاع الكبير محرّمٌ، إذا كانت هناك حاجة مثل حاجة سهلة، وسالم، حيث إنه لا يستغني عن دخوله عليها، ويشقّ


(١) "نيل الأوطار" ٦/ ٣٣٢ - ٣٣٣.
(٢) "نيل الأوطار" ٦/ ٣٣٣ - ٣٣٤.