للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبي طالب، كما حكاه عنه ابن حزم، وأما ابن عبد البرّ، فأنكر الرواية عنه في ذلك، وقال: لا يصحّ. وعائشة، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، والليث بن سعد، وابن عُليّة، وحكاه النوويّ عن داود الظاهريّ، وإليه ذهب ابن حزم، ويؤيّد ذلك الإطلاقات القرآنيّة، كقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣].

وذهب الجمهور إلى أن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير، وأجابوا عن قصّة سالم بأجوبة:

(منها): أنه حكم منسوخٌ، وبه جزم المحبّ الطبريّ في "أحكامه"، وقرّره بعضهم بأن قصّة سالم كانت في أوائل الهجرة، والأحاديث الدّالّة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة، دلّ على تأخّرها.

وهو مستندٌ ضعيفٌ؛ إذ لا يلزم من تأخّر إسلام الراوي، ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدّمًا.

وأيضًا ففي سياق قصّة سالم ما يُشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين؛ لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه، حيث قال لها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أرضعيه"، قالت: وكيف أرضعه، وهو رجلٌ كبيرٌ؟، فتبسّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "قد علمت أنه رجلٌ كبير"، وفي رواية: قالت: إنه ذو لحية، قال: "أرضعيه". وهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبرٌ في الرضاع المحرّم.

(ومنها): دعوى الخصوصيّة بسالم، وامرأةِ أبي حُذيفة، والأصل فيه قول أم سلمة، وأزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ما نرى هذا إلا رخصةً أرخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسالم بسهلة، فلما نزل الاحتجاب، ومُنِعوا من التبنّي شقّ ذلك على سهلة، فوقع الترخيص لها في ذلك؛ لرفع ما حصل لها من المشقّة.

وهذا فيه نظرٌ؛ لأنه يقتضي إلحاق من يساوي سهلة في المشقّة، والاحتجاج بها، فتنفَى الخصوصية (١).

وفيه أيضًا أن دعوى الخصوصيّة تحتاج إلى دليل، وقد اعترف أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بصحّة الحجة التي جاءت بها عائشة، ولا حجة في إبائهنّ لها، كما


(١) "الفتح" ١٠/ ١٨٦.