للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيضًا الأسود (١). (فَقَالَ) جندب - رضي الله عنه - (تَحَدَّثُوا) فعل أمر من التحدُّث، وإنما أمرهم؛ لئلا يستوحشوا، فيقطعوا حديثهم بسبب حضوره حياءً منه (بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ) بفتح التاء، أصله تتحدّثون، فحُذفت منه إحدى التاءين تخفيفًا، كما في قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} [القدر: ٤]، وقوله: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: ١٤]، وقوله: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)} [عبس: ٦]، قال في "الخلاصة":

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ … فِيهِ عَلَى تَا كـ"تَبَيَّنُ الْعِبَرْ"

(حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ) أي انتقل الحديث بين الحاضرين من شخص إلى آخر (فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ) أي إلى جندب - رضي الله عنه - (حَسَرَ) بفتح السين المهملة، من بابي نصر وضرب: أي كشف، وأزال (الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ) أي ليمكنه مواجهتهم، ويمكنهم مواجهته بلا مانع يمنع من رؤيته.

قال النوويّ رحمه الله تعالى: وأما ما فعله جُنْدب بن عبد الله - رضي الله عنه - من جمع النفر، ووعظهم، ففيه: أنه ينبغي للعالم، والرجل العظيم المطاع، وذي الشُّهْرة أن يُسَكِّن الناس عند الْفِتَن، ويَعِظهم، ويُوَضِّح لهم الدلائل. انتهى (٢).

(فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكُمْ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ) - صلى الله عليه وسلم -، قال النوويّ رحمه الله تعالى: كذا وقع في جميع الأصول - أي بزيادة "لا" - وفيه إشكال من حيث إنه قال في أول الحديث: "بَعَثَ إلى عسعس، فقال: اجمع لي نفرًا من إخوانك حتى أحدثهم"، ثم يقول: بعده: "أتيتكم، ولا أريد أن أخبركم"، فيحتمل هذا الكلام وجهين:

[أحدهما]: أن تكون "لا" زائدة، كما في قول الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: ٢٩]، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: ١٢].

[والثاني]: أن يكون على ظاهره، أتيتكم، ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، بل أَعِظُكم، وأحدثكم بكلام من عند نفسي، لكني الآن أزيدكم على ما كنت نويته، فأخبركم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثًا، وذكر الحديث، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى (٣).


(١) "المصباح المنير" ١/ ٣٤٢.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٠٥.
(٣) "شرح النوويّ" ٢/ ١٠٥.