للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ) وفي رواية البخاريّ من طريق شعبة، عن الأشعث: "فكأنه تغيّر وجهه، كأنه كره ذلك"، وفي رواية له من طريق سفيان الثوريّ، عن الأشعث: "فقال: "عائشة من هذا؟، قلت: هذا أخي من الرضاعة" (فَقُلْتُ: إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("انْظُرْنَ إِخْوَانَكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ) وفي رواية البخاريّ: "انظرن ما إخوانكنّ؟ "، و"ما" استفهاميّة، والمعنى: تأمّلن ما وقع من ذلك، هل هو رضاعٌ صحيح بشرطه، من وقوعه في زمن الرضاعة، ومقدار الارتضاع، فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط.

وفي رواية للبخاريّ: "انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؟ " بـ "مَنْ" بدل "ما"، وهي أوجه، وهي استفهاميّة أيضًا.

وقال المهلّب - رحمه الله -: معناه: انظرن ما سبب هذه الأُخوّة، فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسدّ الرضاعة المجاعة.

وقال أبو عُبيد: معناه أن الذي جاع كان طعامه الذي يُشبعه اللبن من الرضاع، لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع.

(فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ) وفي رواية النسائي: "فإنَّ الرضاعةَ" (مِنَ الْمَجَاعَةِ") فيه تعليل الباعث على إمعان النظر والفكر؛ لأن الرضاعة تُثبتُ النسبَ، وتجعل الرضيع مَحْرَمًا.

والمعنى: أن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة، وتحِلُّ بها الخلوة، هي حيث يكون الرضيع طفلًا، يسدّ اللبن جوعته؛ لأن معدته ضعيفة، يكفيها اللبن، وينبتُ بذلك لحمه، فيصير كجزء من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرةٌ إلا المُغْنِية عن المجاعة، أو المطعمة من المجاعة، كقوله تعالى: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} [قريش: ٤]، ومن شواهده حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لا رضاع إلا ما شدّ العظم، وأنبت اللحم"، أخرجه أبو داود، مرفوعًا، وموقوفًا، وحديث أم سلمة - رضي الله عنها -: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء". أخرجه الترمذيّ، وصححه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.