للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَسُنَّةٍ بِهَا كَذَاكَ مُطْلَقَا … وَبِكِتَابِ اللهِ كُلٌّ يُنْتَقَى (١)

والحاصل أن عموم قوله تعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} مخصوص بالمملوكة بالسبي، أما المملوكة بالشراء، ونحوه، فلا تحل لمالكها؛ لعدم انفساخ النكاح بالشراء، كما هو رأي الجمهور، ودليله حديث بريرة - رضي الله عنها - المتّفق عليه، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا اشترتها عائشة، وأعتقتها خيّرها في زوجها، فلو كان الشراء ينفسخ به النكاح لما كان للتخيير معنى، فتبصّر.

ثم رأيت العلامة ابن العربيّ - رحمه الله - قد حقّق هذا الموضوع في "أحكام القرآن"، فقال ما ملخّصه: وأما من قال: إن قوله تعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} في الإماء كلهنّ، وإنَّ مِلك الأمة المتجدِّد على النكاح يبطله، فموضع إشكال عظيم، ولأجله تردد فيه أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. بَيْدَ أن الظاهر أن ملكًا متجددًا لا يبطل نكاحًا متأكِّدًا، ولو أنه مَلَّكَ منفعةَ رقبتها لرجل بالإجارة، ثم باعها ما أبطل الملكُ ملكَ منفعة الرقبة، فملك منفعة الْبُضْع أولى أن يبقى، فإن أحقّ الشروط أن يُوفَى به ما استُحِلّت به الفروج، فعقدُ الفرج نفسه أحقّ بالوفاء به من عقد منفعة الرقبة.

قال: والذي يقطع العذر أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خَيَّر بريرة، ولم يجعل ما طرأ من العتق عليها، ولا ما ملكت من نفسها مبطلًا لنكاح زوجها، وعليه يُحْمَل كل مُلك متجدد، وقد بيّناه في مسائل الخلاف، وفيما أشرنا إليه ها هنا من الأثر والمعنى كفاية لمن سَدَّد النظر، فوضح أن المراد بالمحصنات الجميع، وأن المراد بملك اليمين السبي الذي نزلت الآية في بيانه. انتهى كلام ابن العربيّ - رحمه الله - (٢)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.

وخلاصة القول أن ما ذهب إليه الجمهور من أن الآية المذكورة محمولة على الإماء المسبيّات، كما هو سبب النزول، هو الحقّ، فلا تدخل من مُلكت بالشراء، أو نحوه، فلا يحلّ وطؤها لمالكها إذا كان لها زوج، بدليل قصّة بريرة - رضي الله عنها -، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) راجع: "المنحة الرضيّة" شرح "التحفة" المذكورة ٣/ ٣٥٥ - ٣٥٧.
(٢) "أحكام القرآن" لابن العربيّ - رحمه الله - ١/ ٤٠٤.