للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فإذا تقرّر أن السبي فسخٌ، فالمشهور من مذهبنا أنه لا فرق بين أن يُسبى الزوجان مجتمعين، أو مفترقين.

وروى ابن بُكير عن مالك أنهما إن سُبيا جميعًا، واستبقي الرجل أُقرّا على نكاحهما، فرأى في هذه الرواية أن استبقاءه إبقاء لما يملكه؛ لأنه قد صار له عهد، وزوجته من جملة ما يملكه، فلا يُحال بينها وبينه، والصحيح الأول؛ للتمسّك بظاهر الآية، كما تقدّم، ولأنها قد مُلكت رقبتها بالسباء، فيُملك جميع منافعها، ولا يُنتقض هذا بالبيع، ولا بغيره من الوجوه التي تنقل الملك المذكور على ما تقدّم؛ لأنها خروج من مالكٍ ملكًا محقّقًا، والكافر لا يملك ملكًا محضًا، فافترقا. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).

وقال المازريّ: هذا الخلاف مبنيّ على أن العموم إذا خرج على سبب، هل يقصر على سببه، أم لا؟، فمن قال: يُقصَرُ على سببه لم يكن فيه حجة للمملوكة بالشراء؛ لأن التقدير: إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، ومن قال: لا يقصر، بل يُحمل على عمومه قال: ينفسخ نكاح المملوكة بالشراء، لكن ثبت في حديث شراء عائشة بريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خيّر بريرة في زوجها، فدلّ على أنه لا ينفسخ بالشراء، لكن هذا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، وفي جوازه خلاف، ذكره النوويّ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ جواز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، وهو الأصحّ عند الأصوليين، وهو قول الجمهور، وعليه الأئمة الأربعة، فيما حكاه ابن الحاجب. قال السيوطيّ في "الكوكب الساطع":

وَجَازَ أَنْ يُخَصَّ فِي الصَّوَابِ … سُنَّتُهُ بِهَا وَبِالْكِتَابِ

وَهْوَ بِهِ وَخَبَرِ التَّوَاتُرِ … وَخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الأَكْثَرِ (٢)

وقلت في "التحفة المرضيّة":

وَجَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابْ … وَسُنَّةٍ أَيْ مُطْلَقَا فَلَا عِتَابْ


(١) "المفهم" ٤/ ١٩١ - ١٩٢.
(٢) راجع: "الجليس النافع الصالح بتوضيح معاني الكوكب الساطع" شرحي للنظم المذكور (ص ١٩٤ - ١٩٦).