حصول الإسلام من جميع السبايا، وهي في غاية الكثرة بعيدٌ جدًّا، فإن إسلام مثل عدد المسبيّات في أوطاس دفعةً واحدةً، من غير إكراه لا يقول بأنه يصحّ تجويزه عاقلٌ، ومن أعظم المؤيّدات لبقاء المسبيّات على دينهنّ ما ثبت من ردّه - صلى الله عليه وسلم - لهنّ بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن، وسألوه أن يردّ إليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة، فردّ إليهم السبي فقط.
وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيّات الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة: منهم طاوس، وهو الظاهر؛ لما سلف. انتهى كلام الشوكانيّ - رحمه الله -.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذكره الشوكانيّ أن الأرجح قول من قال بجواز وطء المسبيات الكافرات غير الكتابيات بعد الاستبراء؛ لقوة دليله، وأن التأويل الذي ذكره النوويّ فيه بُعدٌ، وتكلّف، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلماء في الأَمَةِ إذا بيعت، وهي مزوّجةٌ مسلمًا:
(اعلم): أنهم اختَلَفوا فيها، هل ينفسخ النكاح، وتحلّ لمشتريها، أم لا؟، فقال ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: ينفسخ لعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: ٢٤].
وقال سائر العلماء: لا ينفسخ، وخصّوا الآية بالمملوكة بالسبي، أفاده النوويّ - رحمه الله -.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: اختلفوا هل السبي فسخ بطلاق، أو بغير طلاق؟ فذهب للأول الحسن البصريّ، ثمّ هل يُقصر التحريم عليهنّ - أعني المسبيّات - لأنهنّ السبب، أو يُحمل اللفظ على عمومه؟ قولان لأهل العلم، وعن هذا نشأ الخلاف في بيع الأمة ذات الزوج، وهبتها، وميراثها، وعتقها، فقال الحسن: إن ذلك كله طلاق لها من زوجها، وروي عن عمر في قوله تعالى:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} بملك نكاح، أو يمين، أو غَلَبة.
وذهب مالك، وجمهور العلماء إلى أنه ليس شيء من ذلك فسخًا، ولا طلاقًا، بدليل حديث بَرِيرة - رضي الله عنها - لَمّا أُعتقت خُيِّرت، فلو كان عتقها طلاقًا لما صحّ خيارها، فإنه كان يقع بنفس العتق، وهو يدلّ على أن الآية مقصورة على سببها.