للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مستفرشةً لزمعة، فاتّفق أن عتبة زنى بها، كما تقدّم، وكانت طريقة الجاهليّة في مثل ذلك أن السيّد إن استلحقه لحقه، وإن نفاه انتفى عنه، وإذا ادّعاه غيره كان مردّ ذلك إلى السيّد، أو القافة. وقد وقع في حديث ابن الزبير الذي أسوقه بعد هذا ما يؤيّد ما قلته.

وأما قوله: إن عبد بن زمعة سمع أن الشرع. . . إلخ، ففيه نظر؛ لأنه يبعد أن يسمع ذلك عبد بن زمعة، وهو بمكة لم يُسلم بعدُ، ولا يسمعه سعد بن أبي وقّاص، وهو من السابقين الأوّلين الملازمين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حين إسلامه إلى حين فتح مكة نحو العشرين سنة، حتى ولو قلنا: إن الشرع لم يرد بذلك، إلا في زمن الفتح، فبلوغه لعبد قبل سعد بعيدٌ أيضًا.

والذي يظهر لي أن شرعيّة ذلك إنما عُرفت من قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصّة: "الولد للفراش"، وإلا فما كان سعد لو سبق علمه بذلك ليَدَعَه، بل الذي يظهر أن كُلًّا من سعد، وعتبة بنى على البراءة الأصليّة، وأن مثل هذا الولد يقبل النزاع.

وقد أخرج أبو داود تلو حديث الباب بسند حسن إلى عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قام رجلٌ، فقال: يا رسول الله، إن فلانًا عاهرت بأمه في الجاهليّة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهليّة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر".

وقد وقع في بعض طرقه أن ذلك وقع زمن الفتح، وهو يؤيّد ما قلته. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١) وهو بحث نفيسٌ.

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("هُوَ لَكَ، يَا عَبْدُ) وفي لفظ للبخاريّ: "هو لك يا عبد بن زمعة" يجوز في "عبد" الضمّ، على أنه منادى مفرد علم، والفتح؛ اتباعًا لِمَا بعده، وأما "ابن" فهو واجب النصب على الحالين؛ لكونه مضافًا، وقد أشار ابن مالك - رحمه الله - إلى هذا في "خلاصته"، حيث قال:

وَنَحْوَ زيدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ … نَحْوِ أَزَيْدُ ابْنَ سَعِيدٍ لَا تَهِنْ

وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الابْنُ عَلَمَا … أَوْ يَلِ الابْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا


(١) "الفتح" ١٥/ ٤٦٧ - ٤٦٨.