للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهلَك بسببك هوان، وقيل: أراد بالأهل نفسه - صلى الله عليه وسلم -، وكلٌّ من الزوجين أهل، والباء متعلقة بـ "هَوَان"، أي ليس اقتصاري على الثلاثة؛ لهوانك عليّ، ولا لعدم رغبتي فيك، ولكن لأنه الحكم الشرعيّ.

قال القاضي عياض - رحمه الله -: معناه: لا يلحقك هوان، ولا يتعلّق بك، بل تستوفي حقّك من الْمُقام عندك، والتأنس به - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لَمّا أخذت بثوبه حين أراد الخروج، ففهم منها استقلال مُقامه عندها، والاستكثار منه، فبيّن لها ما لها، وما عليها من ذلك، وأنه إن زادها على حقّها وجب أن يزيد لنسائه، فيطول عليها مغيبه، فآثرت القُنوع بحقّها من الثلاث، ثم يُعطي نساءه من بعدها أيامهنّ المعلومة، ثم يرجع إليها، فيقرب رجوعه إليها، ونوبتها منه.

قال: والمراد بأهلِك هنا نفسه - صلى الله عليه وسلم -، أي: لا أفعل فعلًا به هوانك عليَّ. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وإنما قال لها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك حين أخذت بثيابه تستزيده من الْمُقام عندها، فاستلطفها بهذا القول الحسن، ثم بعد ذلك بَيَّن لها وجه الحكم بقوله: "للبكر سبع، وللثيّب ثلاثٌ"، وهذا تقعيد للقاعدة، وبيان لحكمها، وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: لا يختصّ بذلك واحدة منهنّ، بل يقضي لسائر نسائه بمثل ذلك؛ تمسّكًا منه بمطلق الأمر بالعدل بينهنّ (٢)، وسيأتي تمام البحث في ذلك - إن شاء الله تعالى -.

وقال النوويّ - رحمه الله -: معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس بك على أهلك هوان": لا يلحقك هَوَانٌ، ولا يَضِيع من حقك شيءٌ، بل تأخذينه كاملًا، ثم بَيَّن - صلى الله عليه وسلم -حقَّها، وأنها مُخَيَّرة بين ثلاث بلا قضاء، وبين سبع، ويقضي لباقي نسائه؛ لأن في الثلاث مزيّةً بعدم القضاء، وفي السبع مزيةٌ لها بتواليها، وكمال الأنس فيها، فاختارت الثلاث؛ لكونها لا تُقْضَى، وليَقْرُب عَوْده إليها، فإنه يطوف عليهنّ ليلةً ليلةً، ثم يأتيها، ولو أخذت سبعًا طاف بعد ذلك عليهنّ سبعًا سبعًا، فطالت غيبته عنها. انتهى (٣).


(١) "إكمال المعلم" ٤/ ٦٥٩.
(٢) "المفهم" ٤/ ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٣) "شرح النوويّ" ١٠/ ٤٣ - ٤٤.