للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو عمر: عن التابعين في هذا الباب من الاختلاف كالذي بين أئمة الفتوى فقهاء الأمصار، وما ذهب إليه مالك، والشافعيّ، فهو الذي وردت به الآثار المرفوعة، وهو الصواب - إن شاء الله -.

قال أبو عمر: لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للبكر سبع، وللثيب ثلاث" دَلّ على أن ذلك حقّ من حقوقها، فمحال أن يحاسبا بذلك، وعند أكثر العلماء ذلك واجب لهما، كان عند الرجل زوجة أم لا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا"، ولم يخصّ من له زوجة ممن لا زوجة له.

وقد اختلفوا في المقام المذكور، هل هو من حقوق الزوجة على الزوج، أو من حقوق الزوج على سائر نسائه؟

فقالت طائفة: هو حقّ للمرأة، إن شاءت طالبت به، وإن شاءت تركته.

وقال آخرون: هو من حقّ الزوج، إن شاء أقام عندها، وإن شاء لم يُقِم، فإن أقام عندها، ففيه من الاختلاف ما ذكرنا، وإن لم يقم عندها إلا ليلةً دار، وكذلك إن أقام ثلاثًا دار على ما ذكرنا من اختلاف الفقهاء.

فالقول عندي أولى باختيار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك حقّ؛ لقوله: "للبكر سبع، وللثيب ثلاثٌ"، وقوله: "من تزوج بكرًا أقام عندها سبعًا، وعند الثيب ثلاثًا، وبالله تعالى التوفيق. انتهى (١)

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي اختاره الإمام ابن عبد البرّ - رحمه الله - من العمل بما دلّت عليه أحاديث الباب، وهو أن من تزوّج بكرًا، أقام عندها سبعًا، ومن تزوّج ثيّبًا أقام عندها ثلاثًا، إلا أن تشاء التسبيع، فيسبّع لها، ثم يحاسبها بالتسبيع لزوجاته، هو الصواب الذي لا شكّ فيه؛ لأنه نصّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا كلام ونقاش معه - صلى الله عليه وسلم -، فتبصّر بالإنصاف، ولا تسلك مسلك التقليد والانحراف، وراجع ما كتبه أبو محمد بن حزم - رحمه الله - في المسألة في كتابه "المحلّى" (٢)، فقد ناقش المخالفين بأشدّ أسلوب، وأفحمه للخصوم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "الاستذكار" ٥/ ٤٣٨ - ٤٤١.
(٢) "المحلّى" ١٠/ ٦٣ - ٦٧.