للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم هل هذا الحقّ المذكور من التسبيع والتثليث حقّ للزوج، أم للزوجة الجديدة؟

قال النوويّ - رحمه الله -: اختلفوا في ذلك، ومذهبنا، ومذهب الجمهور، أنه حقّ لها، وقال بعض المالكية: حقّ له على بقية نسائه، واختلفوا في اختصاصه بمن له زوجات غير الجديدة، قال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن ذلك حقّ للمرأة بسبب الزفاف، سواء كان عنده زوجة، أم لا؟؛ لعموم الحديث: "إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا"، فلم يخص من لم يكن له زوجة.

وقالت طائفة: الحديثُ فيمن له زوجة، أو زوجات، غير هذه؛ لأن من لا زوجة له، فهو مقيم مع هذه كل دهره، مؤنس لها، متمتع بها، مستمتعة به بلا قاطع، بخلاف من له زوجات، فإنه جُعلت هذه الأيام للجديدة؛ تأنيسًا لها متصلًا؛ لتستقرّ عشرتها له، وتذهب حِشمتها ووحشتها منه، ويقضي كل واحد منهما لذّته من صاحبه، ولا ينقطع بالدوران على غيرها.

ورجح القاضي عياض هذا القول، وبه جزم البغويّ من أصحاب الشافعيّ في "فتاويه"، فقال: إنما يثبت هذا الحق للجديدة، إذا كان عنده أخرى يبيت عندها، فإن لم تكن أخرى، أو كان لا يبيت عندها لم يثبت للجديدة حقّ الزفاف، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجاته ابتداء.

قال النوويّ: والأول أقوى، وهو المختار؛ لعموم الحديث. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن ما رجحه القاضي عياض، من تقييده بمن له زوجة أخرى هو الأقرب؛ لما سيأتي من حديث أنس - رضي الله عنه -: "إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا. . ." الحديث، فقيّده بمن تزوج على زوجته، ومفهومه أن من لم يتزوج على زوجته ليس عليه التسبيع، ولا التثليث، وأما الروايات التي فيها الإطلاق فَتُحمل على هذه الرواية المقيّدة، فافهم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ٤٤ - ٤٥.