للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرَّدْعَ، والزَّجْرَ عن الوقوع في مثل ذلك، كما يقول الوالد لولده إذا سلك غير سبيله: لستُ منك، ولستَ منّي، كما قال الشاعر [من الوافر]:

إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا … فإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي

انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).

وقال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه": مذهب أهل السنّة والفقهاء: أن مَن حَمَل السلاح على المسلمين بغير حقّ، ولا تأويل، ولم يستحلّه، فهو عاص، ولا يكفر بذلك، فإن استحلّه فهو كافر، فأما تأويل الحديث، فقيل: هو محمولٌ على المستحلّ بغير تأويل، فيكفر، ويخرُج من الملّة، وقيل: معناه ليس على سيرتنا الكاملة، وهدينا، وكان سفيان بن عُيينة رحمه الله تعالى يَكرَه قول من يُفسّره بـ "ليس على هدينا"، ويقول: بئس هذا القول، يعني: بل يُمْسَكُ عن تأويله؛ ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزجر. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "فليس منّا": أي ليس على طريقتنا، أو ليس متّبعًا لطريقتنا؛ لأن من حقّ المسلم على المسلم أن ينصُره، ويُقاتل دونه، لا أن يُرْعِبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله، أو قتله، ونظيره: "من غشّنا فليس منّا"، و"ليس منّا من ضرب الخدود، وشقّ الجيوب"، وهذا في حقّ من لا يَستحلّ ذلك، فأما من يستحلّه، فإنه يكفر باستحلال المحرّم بشرطه، لا مُجرّد حمل السلاح.

والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرّض لتأويله؛ ليكون أبلغ في الزجر، وكان سفيان بن عُيينة يُنكِر على من يَصرفه عن ظاهره، فيقول: معناه ليس على طريقتنا، وَيرَى أن الإمساك عن تأويله أولى لما ذكرناه.

والوعيد المذكور لا يتناول من قاتل الْبُغَاة من أهل الحقّ، فيُحْمَل على البغاة، وعلى من بدأ بالقتال ظالمًا، قاله في "الفتح" (٣).


(١) "المفهم" ١/ ٣٠٠ "كتاب الإيمان".
(٢) "شرح مسلم" ٢/ ١٠٨ "كتاب الإيمان".
(٣) "فتح" ١٤/ ٥١٨ "كتاب الفتن" حديث رقم (٧٠٧٠).