وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وإذا قلنا في مثل قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق، وهو مؤمن"، وقوله:"لا إيمان لمن لا أمانة له"، وقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال: ٢] الآية، وقوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[الحجرات: ١٥]، وقوله:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}[البقرة: ١٧٧] الآية إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة: ١٧٧].
إذا قال القائل في مثل هذا: ليس بمؤمن كامل الإيمان، أو نَفَى عنه كمال الإيمان لا أصله، فالمراد به كمال الإيمان الواجب، ليس بكمال الإيمان المستحبّ، كمن ترك رميَ الجمار، أو ارتكب محظورات الإحرام، غير الوطء، ليس هذا مثل قولنا: غسلٌ كاملٌ، ووضوءٌ كاملٌ، وأن المجزئ منه ليس بكامل، ذاك نفي الكمال المستحب، وكذا المؤمن المطلقُ هو المؤدِّي للإيمان الواجب، ولا يلزم من كون إيمانه ناقصًا عن الواجب أن يكون باطلًا حابطًا كما في الحج، ولا أن يكون معه الإيمان الكامل، كما تقوله المرجئة، ولا أن يقال: ولو أَدَّى الواجب لم يكن إيمانه كاملًا، فإن الكمال المنفيّ هنا الكمال المستحب.
فهذا فُرقانٌ يُزيل الشبهة في هذا المقام، ويُقَرِّر النصوص كما جاءت.
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن غَشَّنا فليس منا"، ونحو ذلك، لا يجوز أن يقال فيه: ليس من خيارنا، كما تقوله المرجئة، ولا أن يقال: صار من غير المسلمين، فيكون كافرًا، كما تقوله الخوارج، بل الصواب أن هذا الاسم الْمُضْمَر ينصرف إطلاقه إلى المؤمنين الإيمان الواجب الذي به يستحقون الثواب بلا عقاب، ولهم الموالاة المطلقة، والمحبة المطلقة، وإن كان لبعضهم درجات في ذلك بما فعله من المستحب، فإذا غَشَّهم لم يكن منهم حقيقةً؛ لنقص إيمانه الواجب الذي به يستحقون الثواب المطلق بلا عقاب، ولا يجب أن يكون من غيرهم مطلقًا، بل معه من الإيمان ما يَستحقّ به مشاركتهم في بعض الثواب، ومعه من الكبيرة ما يَستحقُّ به العقاب، كما يقول مَن استأجر قومًا ليعملوا عملًا، فعَمِلَ بعضهم بعض الوقت، فعند التوفية يصلَح أن يقال: