للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

- رضي الله عنهنّ -، وسيأتي تمام البحث فيهنّ في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.

وقال الأبيّ - رحمه الله -: يعني بالتسع: ما اجتمعن في زمان واحد، وإلا فقد كان له - صلى الله عليه وسلم - غير التسع.

وقال الشافعيّ - رحمه الله -: خصّ الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن فرض عليه أشياء خفّفها على غيره زيادة في تقدّمه - صلى الله عليه وسلم -، وأباح له أشياء حرّمها على غيره زيادة في تكريمه، وترفيعه، فمن هذا النوع الزيادة على الأربع أبيحت له؛ ليزداد في نفوس العرب إجلالًا وفخامةً، فإنها كانت تتفاخر بالقدرة على النكاح.

وأيضًا فإنه كان - صلى الله عليه وسلم - من كمال القوّة، واعتدال المزاج بالمنزلة التي شهدت بكمالها الآثار، ومن كان كذلك كانت دواعي هذا أغلب عليه.

وأيضًا إنما مُنع غيره من الزيادة على الأربع خوفًا من عدم العدل، كما أشارت إليه آية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، وهذه العلة مرتفعة في حقه - صلى الله عليه وسلم -، ويشهد لكون هذه علة المنع في غيره أن الله - عز وجل - أباح لغيره من الإماء ما يقدر عليه؛ لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لمّا لم يكن للإماء حقّ في الوطء، فيخافَ عدم العدل فيه.

وأيضًا لا يجوز له الاستمتاع بما لا يحلّ له، ولا التطلّع إلى ما في أيدي الرجال، وكانت الحال حينئذ لم تتسع لكسب الإماء وسّع عليه في الحرائر، واختار له أفضل النوعين، ولهذا قال بعض السلف: لا يجوز له نكاح حرائر الذميّات، بخلاف غيره من أمته، وقال غيره: ولئلا تكون الكافرة أمًّا للمؤمنين. انتهى (١).

(فَكَانَ) - صلى الله عليه وسلم - (إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ) أي إلا بعد انقضاء تسع ليالٍ، ووقع في بعض النسخ بحذف "إلا"، قال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "لا ينتهي إلى المرأة الأولى في تسع" كذا صحّت روايتنا "في تسع" من غير "إلا" الإيجابيّة، وقد وقع في بعض النسخ: "إلا في تسع"، وهو أصوب، وأوضح، فتأمّله. انتهى (٢).


(١) "شرح الأبيّ" ٤/ ٨٧.
(٢) "المفهم" ٤/ ٢٠٦.