للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك، ولا حرج فيه. انتهى (١).

وهذا صريح في أن هذه الآية نزلت بهذا السبب، قال القرطبيّ - رحمه الله -: حَمَلت عائشةَ - رضي الله عنها - على هذا التقبيح الغَيْرَةُ التي طُبعت عليها النساء، وإلا فقد عَلِمت أن الله تعالى أباح لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأن جميع النساء لو مَلَّكْنَ له رقّهنّ، ورقابهنّ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لكنّ معذورات في ذلك، ومشكورات عليه لعظيم بركته، ولشرف منزلة القرب منه، وعلى الجملة فإذا حُقّق النظر في أحوال أزواجه عُلم أنه لم يحصل أحدٌ في العالم على مثل ما حصلن عليه، ويكفيك من ذلك مخالطة اللحوم، والدماء، ومشابكة الأعضاء والأجزاء، وناهيك بها مراتب فاخرة، لا جَرَمَ هنّ أزواجه المخصوصات به في الدنيا والآخرة. انتهى كلام القرطبيّ ببعض تصرّف (٢).

(قَالَتْ: قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَرَى رَبَّكَ، إِلَّا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ) وفي الرواية التالية: "فقلت: إن ربّك لَيُسارع لك في هواك"، أي ما أرى الله إلا موجدًا لما تريد بلا تأخير، منزلًا لما تحبّ، وتختار، قاله في "الفتح" (٣).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قولها: "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك": هو بفتح الهمزة من "أَرَى"، ومعناه: يُخفّف عنك، ويوسّع عليك في الأمور، ولهذا خيّرك.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا قولٌ أبرزته الغيرة والدّلال، وهو من نوع قولها: "ما أهجُرُ إلا اسمك"، متفق عليه، و"لا أحمد إلا الله"، متفق عليه، وإلا فإضافة الهوى إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مباعدٌ لتعظيمه، وتوقيره الذي أمرنا الله تعالى به، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منزّهٌ عن الهوى بقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)} [النجم: ٣]، وهو ممن نَهَى النفس عن الهوى، ولو جَعَلت مكان "هواك" "مرضاتك" لكان أشبه، وأولى، لكن أبعد هذا في حقّها عن نوع الذنوب أن ما يَفعل المحبوب محبوب. انتهى (٤).

وقال السنديّ: - رحمه الله -: قولها: "والله ما أرى ربك. . . إلخ" كناية عن ترك


(١) "أحكام القرآن" لابن العربي ٣/ ٦٠٦.
(٢) "المفهم" ٤/ ٢١١ - ٢١٢.
(٣) "الفتح" ١٠/ ٥٠٦.
(٤) "المفهم" ٤/ ٢١١.