همزة الاستفهام، وهو استفهام إنكاريّ، وفي الرواية التالية:"أما تستحيي امرأة تهب نفسها لرجل؟ "(فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ: {تُرْجِي}) ترجي قرئ مهموزًا، وغير مهموز، وهما لغتان، يقال: أرجيت الأمر، وأرجأته إذا أخّرته، أي تؤخرهن بغير قَسْم، وهذا قول الجمهور، وأخرجه الطبري عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وأبي رزين، وغيرهم، وأخرج الطبري أيضًا عن الشعبي في قوله تعالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} قال: كنّ نساء وهبن أنفسهنّ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فدخل ببعضهنّ، وأرجأ بعضهنّ، لم ينكحهنّ. وهذا شاذّ، والمحفوظ أنه لم يدخل بأحد من الواهبات، كما تقدّم.
وقيل: المراد بقوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} أنه كان همّ بطلاق بعضهنّ، فقلن له: لا تطلّقنا، واقسم لنا ما شئت، فكان يَقسم لبعضهنّ قَسْمًا مستويًا، وهنّ اللواتي آواهنّ، ويَقسم للبواقي ما شاء، وهنّ اللواتي أرجأهنّ.
فحاصل ما نُقل في تأويل {تُرْجِي} أقوال:
[أحدها]: تطلّق، وتُمسك.
[ثانيها]: تعتزل من شئت منهنّ بغير طلاق، وتَقسم لغيرها.
[ثالثها]: تَقبَل من شئت من الواهبات، وترُدّ من شئت. وحديث الباب يؤيّد هذا، والذي قبله، واللفظ محتملٌ للأقوال الثلاثة (١).
({مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ}) أي طلبت، والابتغاء في اللغة هو الطلب، ولا يكون إلا بعد الإرادة، قال الله تعالى مخبرًا عن موسى - عليه السلام -: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}[الكهف: ٦٤] وجواب "من" قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} وقوله: ({مِمَّنْ عَزَلْتَ}) أي أزلت، والعَزْل: الإزالة، قال العربيّ - رحمه الله -: والمعنى: ومن أردت أن تضمّه، وتؤويه بعد أن أزلته، فقد نِلْت ذلك عندنا، ووجدته تحقيقًا؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: "لا أرى ربك إلا وهو يسارع في هواك"، فإن شاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخر أَخَّر، وإن شاء أن يقدِّم استقدم، وإن شاء أن يَقْلِب المؤخر مقدمًا، والمقدم مؤخرًا فَعَلَ، لا جناح عليه في شيء من