وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحلّ الله له النساء". رواه الترمذيّ، والنسائيّ.
وقيل عكس هذا، وهو أن قوله:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} ناسخة لقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية [الأحزاب: ٥٠]، ولقوله:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}، وقيل غير هذا مما هو ظاهر الفساد، وإن صحّ ما نقله زيد بن أسلم فالقول قوله. قاله أبو العباس القرطبيّ - رحمه الله -.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الراجح أن آية {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} منسوخة بآية {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ}؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور هنا.
وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": واختَلَف العلماء في تأويل هذه الآية، وأصح ما قيل فيها: التوسعة على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ترك القَسْم، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته، وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى، وهو الذي ثبت معناه في "الصحيح" عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت:"كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقول: أَوَ تَهَبُ المرأة نفسها لرجل؟ فلما أنزل الله:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} قالت: قلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك"، قال ابن العربيّ: هذا الذي ثبت في "الصحيح" هو الذي ينبغي أن يُعَوَّل عليه، والمعنى المراد: هو أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان مُخَيَّرًا في أزواجه، إن شاء أن يَقْسِم قَسَم، وإن شاء أن يترك القَسْم ترك، فخُصَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأن جُعِل الأمر إليه فيه، لكنه كان يَقْسِم من قِبَل نفسه، دون فرض ذلك عليه؛ تطييبًا لنفوسهنّ، وصونًا لهنّ عن أقوال الغيرة التي تؤدي إلى ما لا ينبغي.
وقيل: كان القسم واجبًا على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم نُسِخ الوجوبُ عنه بهذه الآية، قال أبو رزين: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد هَمّ بطلاق بعض نسائه، فقلن له: اقْسِم لنا ما شئت، فكان ممن آوى عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب، فكان قسمتهنّ من نفسه وماله سواء بينهنّ، وكان ممن أرجى سودة، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة، وصفية، فكان يَقْسِم لهنّ ما شاء.
وقيل: المراد الواهبات، رَوَى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قوله:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} قالت: هذا في الواهبات أنفسهنّ، قال الشعبيّ: