للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأيضًا فان العقود المطلقة إنما تُنزّل على العرف، والعرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلة.

وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرّعًا وإحسانًا يردّه أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعليّ: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يُحابي في الحكم أحدًا؛ ولَمّا رأى أسماء، والعلَف على رأسها، والزبير معه، لم يقل له: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقرّه على استخدامها، وأقرّ سائر أصحابه على استخدام أزواجهم، مع علمه بأنّ منهنّ الكارهةَ والراضيةَ، هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصحّ التفريق بين شريفة، ودنيئة، وفقيرة، وغنيّة، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه الخدمة، فلم يُشْكِها، وقد سمّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المرأة عانيةً، فقال: "اتقوا الله في النساء، فإنهنّ عَوَانٍ عندكم"، والعاني الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوعٌ من الرقّ، كما قال بعض السلف: النكاح رقّ، فلينظر أحدكم عند من يُرقّ كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجحُ من المذهبين، والأقوى من الدليلين. انتهى كلام ابن القيّم - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذكره ابن القيّم - رحمه الله - تحقيق نفيسٌ جدًّا، فقد ظهر لنا به، وتبيّن، واتضح أن المذهب الأول، وهو وجوب خدمة المرأة زوجها هو الراجح؛ لقوة دليله؛ لأنه المعروف في ذلك الوقت الذي نزل فيه قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [البقرة: ٢٢٨]، فأوجب الله عليها أن تلتزم بما هو معروف عند الناس، وقد طبّق نساء العصر الأول من الصحابيات، وغيرهن على أنفسهنّ ما طُلب منهن في الآية الكريمة، كما تقدم آنفًا في قصّة فاطمة، وأسماء - رضي الله عنهما -، فتأمله بالإنصاف، واخلع عنك ربقة التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب.


(١) "زاد المعاد في هدي خير العباد" ٥/ ١٨٦ - ١٨٩.