للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأول، وينبغي أيضًا: أن يجتنب الطروق لأجل ذلك، قاله القرطبيّ - رحمه الله - (١).

(قَالَ) جابر (وَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِذَا قَدِمْتَ) بكسر الدال (فَالْكَيْسَ، الْكَيْسَ") أي الجماع، والمراد الحثّ على ابتغاء الولد.

وقال في "الفتح": "فالكيس الكيس" بالنصب فيهما على الإغراء، وقيل: على التحذير من ترك الجماع، قال الخطابيّ: "الكيسَ" هنا بمعنى الحذر، وقد يكون "الكيس" بمعنى الرِّفق، وحسن التأني، وقال ابن الأعرابيّ: الكيس العقل، كأنه جعل طلب الولد عقلًا، وقال غيره: أراد الحذر من العجز عن الجماع، فكأنه حَثّ على الجماع، وجزم ابن حبان في "صحيحه" بعد تخريج هذا الحديث بأن الكيس الجماع، قال الحافظ: ويؤيده قوله في رواية محمد بن إسحاق: "فإذا قَدِمتَ، فاعمل عملًا كَيْسًا"، وفيه: قال جابر: "فدخلنا حين أمسينا، فقلت للمرأة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أعمل عملًا كَيْسًا، قالت: سمعًا وطاعةً، فدونك، قال: فبِتّ معها، حتى أصبحت"، أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، قال عياض: فَسَّر البخاريّ وغيره الكيس بطلب الولد والنسل، وهو صحيحٌ، قال صاحب "الأفعال": كاس الرجلُ في عمله حَذِقَ، وكاس وَلَدَ ولدًا كيسًا، وقال الكسائيّ: كاس الرجلُ وُلد له ولدٌ كيس. انتهى.

وأصل الكيس العقل كما ذكر الخطابيّ، لكنه بمجرده ليس المراد هنا، والشاهد لكون الكيس يراد به العقل قول الشاعر [من البسيط]:

وَإِنَّمَا الشِّعْرُ لُبُّ الْمَرْءِ يَعْرِضُهُ … عَلَى الرِّجَالِ فَإِنْ كَيْسًا وَإِنْ حُمْقَا

فقابله بالْحُمْق، وهو ضد العقل، ومنه حديث: "الْكَيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والأحمق مَن أتبع نفسه هواها" (٢)، وأما حديث: "كلُّ شيء بقدر، حتى العجزُ والكيس" (٣)، فالمراد به الفطنة، ذكره في "الفتح" (٤).


(١) "المفهم" ٤/ ٢١٩ - ٢٢٠.
(٢) أخرجه الترمذيّ برقم (٢٤٥٩) وهو ضعيف؛ لأن في إسناده سفيان بن وكيع، وأبا بكر بن أبي مريم، وهما ضعيفان.
(٣) أخرجه مسلم في "صحيحه" برقم (٢٦٥٥).
(٤) "الفتح" ١١/ ٧٠٤ "كتاب النكاح" رقم (٥٢٤٦).