التأكيد، فلما كان في زمن عمر - رضي الله عنه -، وكثر استعمال الناس لهذه الصيغة، وغلب منهم إرادة الاستئناف بها، حُمِلت عند الإطلاق على الثلاث؛ عملًا بالغالب السابق إلى الفهم في ذلك العصر.
قال الشيخ - رحمه الله -: وهذا الوجه لا إشكال فيه؛ لجواز تغير الحال عند تغير القصد؛ لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، وظاهر اللفظ يدل لهذا كما قدمنا.
وعلى كل حال فادعاء الجزم بأن معنى حديث طاوس المذكور أن الثلاث بلفظ واحد ادعاء خالٍ من دليل، كما رأيت، فليتق الله من تجرأ على عزو ذلك إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع أنه ليس في شيء من روايات حديث طاوس كون الثلاث المذكورة بلفظ واحد، ولم يتعيّن ذلك من اللغة، ولا من الشرع، ولا من العقل كما ترى.
قال: ويدل لكون الثلاث المذكورة ليست بلفظ واحد ما تقدّم في حديث ابن إسحاق عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، عند أحمد، وأبي يعلى، من قوله:"طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف طلقتها؟ " قال: ثلاثًا في مجلس واحد؛ لأن التعبير بلفظ المجلس يُفهم منه أنها ليست بلفظ واحد؛ إذ لو كان اللفظ واحدًا لقال: بلفظ واحد، ولم يحتج إلى ذكر المجلس؛ إذ لا داعي لذكر الوصف الأعم، وترك الأخص بلا موجِبٍ، كما هو ظاهر.
(الجواب الثاني): عن حديث ابن عباس هو أن معنى الحديث: أن الطلاق الواقع في زمن عمر ثلاثًا كان يقع قبل ذلك واحدةً؛ لأنهم كانوا لا يستعملون الثلاث أصلًا، أو يستعملونها نادرًا، وأما في عهد عمر فكثر استعمالهم لها.
ومعنى قوله:"فأمضاه عليهم" على هذا القول: أنه صنع فيه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله، ورجّح هذا التأويل ابن العربيّ، ونسبه إلى أبي زرعة الرازيّ، وكذا أورده البيهقيّ بإسناده الصحيح إلى أبي زرعة، أنه قال: معنى هذا الحديث عندي: إنما تطلقون أنتم ثلاثًا كانوا يطلقون واحدةً.
قال النوويّ: وعلى هذا فيكون الخبر وقع عن اختلاف عادة الناس خاصةً لا عن تغيير الحكم في المسألة الواحدة، وهذا الجواب نقله القرطبيّ في تفسير