عاطفًا على ما يُجزم فيه بعدم صحة الخبر: والمنقول آحادًا فيما تتوفّر الدواعي إلى نقله، خلافًا للرافضة. انتهى منه بلفظه.
ومراده أن مما يُجزم بعدم صحته الخبرُ المنقولُ آحادًا مع توفّر الدواعي إلى نقله.
وقال ابن الحاجب في "مختصره" الأصولي: [مسألة]: إذا انفرد واحد فيما يتوفر الدواعي إلى نقله، وقد شاركه خلق كثير، كما لو انفرد واحد بقتل خطيب على المنبر في مدينة، فهو كاذب قطعًا خلافًا للشيعة. انتهى محل الغرض منه بلفظه.
وفي المسألة مناقشات، وأجوبة عنها معروفة في الأصول.
قال الشيخ - رحمه الله -: ولا شك أنه على القول بأن معنى حديث طاوس المذكور أن الثلاث بلفظ واحد كانت تجعل واحدةً على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، ثم إن عمر غَيَّر ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون في زمن أبي بكر، وعامة الصحابة، أو جلّهم يعلمون ذلك، فالدواعي إلى نقل ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون من بعده متوفِّرة توَفُّرًا لا يمكن إنكاره لأن يُرَدّ بذلك التغيير الذي أحدثه عمر، فسكوت جميع الصحابة عنه، وكون ذلك لم يُنقل منه حرف عن غير ابن عباس يدلّ دلالةً واضحةً على أحد أمرين:
أحدهما: أن حديث طاوس الذي رواه عن ابن عباس ليس معناه أنها بلفظ واحد، بل بثلاثة ألفاظ في وقت واحد، كما قدمنا، وكما جزم به النسائيّ، وصححه النوويّ، والقرطبيّ، وابن سُريج، وعليه فلا إشكال؛ لأن تغيير عمر للحكم مبنيّ على تغيير قصدهم، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، فمن قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ونوى التأكيد فواحدةٌ، وإن نوى الاستئناف بكل واحدة فثلاث، واختلاف محامل اللفظ الواحد لاختلاف نيات اللافظين به لا إشكال فيه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإنما لكل امرئ ما نوى".
والثاني: أن يكون الحديث غير محكوم بصحته؛ لنقله آحادًا مع توفّر الدواعي إلى نقله، والأول أولى، وأخفّ من الثاني.