معنى قول ابن عباس: إن الثلاث كانت تُحسَب على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واحدةً، يعني أنه بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالذي يشبه - والله أعلم - أن يكون ابن عباس قد عَلِمَ أن كان شيء فنُسِخ.
فإن قيل: فما دل على ما وصفت؟ قيل: لا يشبه أن يكون ابن عباس يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، ثم يخالفه بشيء لم يعلمه كان من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف.
قال الشيخ (١): رواية عكرمة، عن ابن عباس قد مضت في النسخ، وفيه تأكيد لصحة هذا التأويل، قال الشافعيّ: فإن قيل: فلعل هذا شيء رُوي عن عمر، فقال فيه ابن عباس بقول عمر - رضي الله عنهم -، قيل: قد علمنا أن ابن عباس يخالف عمر - رضي الله عنهم - في نكاح المتعة، وفي بيع الدينار بالدينارين، وفي بيع أمهات الأولاد وغيره، فكيف يوافقه في شيء يُرْوَى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف ما قال؟ انتهى محل الغرض منه بلفظه.
ومعناه واضح في أن الحقّ دائر بين الأمرين المذكورين؛ لأن قوله: فإن كان معنى قول ابن عباس. . . الخ يدلّ على أن غير ذلك مُحْتَمِلٌ، وعلى أن المعنى أنها ثلاث بفم واحد، وقد أقر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على جعلها واحدةً، فالذي يشبه عنده أن يكون منسوخًا، ونحن نقول: إن الظاهر لنا دوران الحقّ بين الأمرين، كما قال الشافعيّ - رحمه الله -: إما أن يكون معنى حديث طاوس المذكور أن الثلاث ليست بلفظ واحد، بل بألفاظ متفرقة بنسق واحد، كأنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وهذه الصورة تدخل لغةً في معنى طلاق الثلاث دخولًا لا يمكن نفيه، ولا سيما على الرواية التي أخرجها أبو داود والتي جَزم ابن القيم بأن إسنادها أصح إسناد، فإن لفظها: "أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر، قال ابن عباس: بلى، كان الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد