للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تتايعوا فيها، قال: أجيزوهنّ عليهم"، فإن هذه الرواية بلفظ طلقها ثلاثًا، وهو أظهر في كونها متفرقة بثلاثة ألفاظ، كما جزم به ابن القيم في ردّه الاستدلال بحديث عائشة - رضي الله عنها - الثابت في "الصحيح"، فقد قال في "زاد المعاد" ما نصّه: وأما استدلالكم بحديث عائشة أن رجلًا طلق ثلاثًا، فتزوجت، فسئل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هل تحل للأول؟ قال: "لا، حتى تذوق العسيلة"، فهذا مما لا ننازعكم فيه، نعم هو حجة على من اكتفى بمجرد عقد الثاني، ولكن أين في الحديث أنه طلق الثلاث بفم واحد؟ بل الحديث حجة لنا، فإنه لا يقال: فعل ذلك ثلاثًا، وقال ثلاثًا إلا من فعل، وقال مرة بعد مرة، وهذا هو المعقول في لغات الأمم عربهم وعجمهم، كما يقال: قذفه ثلاثًا، وشتمه ثلاثًا، وسلّم عليه ثلاثًا. انتهى منه بلفظه.

وقد عرفت أن لفظ رواية أبي داود موافق للفظ عائشة الثابت في "الصحيح" الذي جزم فيه ابن القيم بأنه لا يدل على أن الثلاث بفم واحد، بل دلالته على أنها بألفاظ متفرقة متعينة في جميع لغات الأمم.

وبؤيده أن البيهقيّ في "السنن الكبرى" قال ما نصه: وذهب أبو يحيى الساجيّ إلى أن معناه إذا قال للبكر: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، كانت واحدةً، فغلّظ عليهم عمر - رضي الله عنه -، فجعلها ثلاثًا.

قال الشيخ (١): ورواية أيوب السختيانيّ تدل على صحة هذا التأويل. انتهى منه بلفظه.

ورواية أيوب المذكورة هي التي أخرجها أبو داود، وهي المطابق لفظها حديث عائشة الذي جزم فيه ابن القيم بأنه لا يدل إلا على أن الطلقات المذكورة ليست بفم واحد، بل واقعة مرة بعد مرة، وهي واضحة جدًّا فيما ذكرنا، ويؤيده أيضًا أن البيهقيّ نقل عن ابن عباس ما يدلّ على أنها إن كانت بألفاظ متتابعة فهي واحدة، وإن كانت بلفظ واحد فهي ثلاث، وهو صريح في محل النزاع مبيِّن أن الثلاث التي تكون واحدة هي المسرودة بألفاظ متعددة؛ لأنها تأكيد للصيغة الأولى.


(١) هو البيهقيّ - رحمه الله -.