وقد علمت أوجه الجواب عنه بإيضاح، ورأيت الروايات المصرحة بنسخ المراجعة بعد الثلاث، وقد قدمنا أن جميع روايات حديث طاوس عن ابن عباس المذكور عند مسلم ليس في شيء منها التصريح بأن الطلقات الثلاث بلفظ واحد، وقد قدمنا أيضًا أن بعض رواياته موافقة للفظ حديث عائشة - رضي الله عنها - الثابت في "الصحيح"، وأنه لا وجه للفرق بينهما، فإن حُمل على أن الثلاث مجموعة، فحديث عائشة أصح، وفيه التصريح بأن تلك المطلقة لا تحل إلا بعد زوج، وإن حُمل على أنها بألفاظ متفرقة، فلا دليل إذن في حديث طاوس، عن ابن عباس على محل النزاع.
[فإن قيل]: أنتم تارة تقولون: إن حديث ابن عباس منسوخ، وتارة تقولون: ليس معناه أنها بلفظ واحد، بل بألفاظ متفرقة.
[فالجواب]: أن معنى كلامنا أن الطلقات في حديث طاوس لا يتعين كونها بلفظ واحد، ولو فرضنا أنها بلفظ واحد، فجعلها واحدة منسوخ، هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة، والله تعالى أعلم، ونسبة العلم إليه أسلم. انتهى كلام العلامة الشنقيطيّ - رحمه الله - في "أضوائه"(١).
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أحسن الشيخ الشنقيطيّ - رحمه الله - في تحقيق هذه المسألة، واستوعب البحث فيها من جميع الجوانب، فأجاد وأفاد.
وخلاصته ترجيح مذهب الجمهور في أن من قال لامرأته أنت طالق ثلاثًا تبين منه امرأته، ولا تحلّ له إلا بعد زوج آخر، وقد كنت رجّحت فيما كتبته في "شرح النسائيّ" قول من قال: إنها تقع واحدة، ثم ترجّح لديّ الآن أن مذهب الجمهور هو الصحيح؛ لقوّة حججهم، كما عرفته مما سبق، فللَّه - سبحانه وتعالى - الحمد والمنّة، وله الفضل والنعمة، وهو أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال: