(إِلَى قَوْلهِ)({إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} أي: تلا إلى هذا الموضع، وقوله: (لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ) أي: هذا الخطاب لهما ({وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لِقَوْلِهِ) - صلى الله عليه وسلم - (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا) المراد به أن هذه الآية نزلت لأجل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بل شربتُ عسلًا"، والنكتة فيه أن هذه الآية داخلة في الآيات الماضية؛ لأنها قبل قوله:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}[التحريم: ٤].
وقال القرطبيّ في "المفهم": قوله: "بل شربتُ عسلًا عند زينب، ولن أعود له" زاد في رواية البخاريّ هنا: "وقد حلفتُ، لا تُخبري بذلك أحدًا"، وذلك لئلا يبلغ الأخرى الخبر، وأنه فعله ابتغاء مرضاة أزواجه، فيتغيّر قلبها، وقيل: كان ذلك في قصّة مارية، واستكتامه - صلى الله عليه وسلم - حفصة أن لا تخبري بذلك عائشة، وقيل: أسرّ إلى حفصة أن الخليفة بعده أبو بكر، ثم عمر، والصحيح أنه في العسل، ويعني بقوله:"ولن أعود له" على جهة التحريم، وبقوله:"حلفت" أي: بالله تعالى، بدليل أن الله تعالى أنزل عليه معاتبته على ذلك، وحوالته على كفّارة اليمين بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} يعني العسل المحرّم بقوله: "ولن أعود له"{تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}؛ أي: تفعل ذلك؛ طلبًا لرضاهنّ {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} غفورٌ لما أوجب المعاتبة، رحيم برفع المؤاخذة {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)} [التحريم: ١ - ٢] أي: قد قدّر، وبيّن، والفرض: التقدير، وتحلّة اليمين: ما يُستحلّ به الخروج عن اليمين، وهي التي قال الله تعالى فيها:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية [المائدة: ٨٩]، والأيمان: جمع يمين، واليمين التي حلف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بها هي قوله:"وقد حلفتُ لا تخبري بذلك أحدًا"، وهذا أصحّ ما قيل في هذه الآية، وأجوده.
وقد روى النسائيّ من حديث أنس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمةٌ يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرّمها، فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآيات (١)، وكان ابن عبّاس أشار إلى هذا الحديث،