حيث قال:"إن الرجل إذا حرّم عليه امرأته، فهي يمين يُكفّرها"، وقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]. انتهى (١).
وقال القرطبيّ - رحمه الله - أيضًا: قوله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا}[التحريم: ٣] هو قوله لحفصة: "بل شربت عسلًا، وقد حلفت، لا تخبري أحدًا" على ما تقدّم في حديث البخاريّ، وقيل: تحريمه مارية، على ما تقدّم في حديث النسائيّ، وقيل غير ذلك، وهذان القولان أحسن ما قيل في ذلك.
وقوله:{فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ}[التحريم: ٣] أي: حديث حفصة حين أفشت ما أمرها بإسراره النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي: أطلع الله تعالى نبيّه على ذلك الحديث {عَرَّفَ بَعْضَهُ} مشدّدًا، وهي القراءة المشهورة؛ أي: عاتبها على ذلك، وأعرض عن بعضه، فلم يبالغ في المعاتبة؛ عملًا بمكارم الأخلاق، وحسن المصاحبة، وقرأه الكسائيّ بتخفيف الراء من {عَرَّفَ}، ومعناه: جازى عليه بأن غضِب، يقال: عَرَفْتُ حقّك؛ أي: جازيتك عليه، ولأعرفنّ حقّك بمعناه، وقال الضحّاك: إن الذي أعرض عنه حديث الخلافة؛ لئلا ينتشر، وهذا بناه على أنه هو الحديث الذي أسرّه لحفصة، وهذا القول ليس بشيء؛ إذ لم يثبُت بذلك نقلٌ، ولم يدلّ عليه عقلٌ، بل النقل الصحيح ما ذكرناه.
وقوله:{فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}[التحريم: ٣] يعني أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعلم حفصة بالخبر الذي أفشته، فقالت مستفهمةً عمن أعلمه بذلك {مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا}[التحريم: ٣] وأنها خطر ببالها أن أحدًا من أزواجه، أو غيرهنّ أخبره، فأجابها بأن قال:{نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} أي: العليم بالسرائر الخبير بما تُجِنّه الضمائر، ثم قال تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم: ٤] يخاطب عائشة وحفصة، وهذا يدلّ على أن الصحيح من الروايات رواية من روى أن هذه القصّة إنما جرت لعائشة وحفصة لأجل العسل الذي شربه عند زينب، أو لأجل مارية، وأنهما هما اللتان تظاهرتا عليه، كما جاء نصًّا من حديث ابن عبّاس عن عمر - رضي الله عنهم - على ما يأتي، وهو رواية