للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الخطابيّ، وتبعه ابن التين: لم يكن حبه - صلى الله عليه وسلم - لها على معنى كثرة التشهي لها، وشدة نزاع النفس إليها، وإنما كان ينال منها إذا أُحضرت إليه نَيْلًا صالِحًا، فيُعْلَم بذلك أنها تعجبه، ويؤخذ منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى، وكان بعض أهل الورع يَكْرَه ذلك، ولا يُرَخِّص أن يأكل من الحلاوة إلا ما كان حلوه بطبعه؛ كالتمر، والعسل، وهذا الحديث يرُدّ عليه، وإنما تورعّ عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة، مع القدرة على ذلك في الدنيا؛ تواضعًا، لا شُحًّا.

ووقع في كتاب "فقه اللغة" للثعالبي أن حلوى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - التي كان يحبها هي المَجِيْع بالجيم بوزن عَظِيم، وهو تمر يُعجَن بلبن، وأخرج أبو داود؛ "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب الزُّبد والتمر" (١).

وفيه ردّ على من زعم أن المراد بالحلوى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يشرب كل يوم قدح عسل يُمزَج بالماء، وأما الحلوى المصنوعة فما كان يعرفها، وقيل: المراد بالحلوى الفالوذج، لا المعقودة على النار، ذكره في "الفتح" (٢).

(فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ) قال في "الفتح": كذا للأكثر، وخالفهم حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، فقال: "الفجر"، أخرجه عبد بن حميد في "تفسيره"، عن أبي النعمان، عن حماد، ويساعده رواية يزيد بن رُومان، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، ففيها: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح جلس في مصلاه، وجلس الناس حوله، حتى تطلع الشمس، ثم يدخل على نسائه، امرأةً امرأةً، يسلم عليهنّ، ويدعو لهنّ، فإذا كان يوم إحداهنّ كان عندها. . ." الحديث، أخرجه ابن مردويه.

ويمكن الجمع بأن الذي كان يقع في أول النهار سلامًا ودعاءً محضًا، والذي في آخره معه جلوس، واستئناس، ومحادثة، لكن المحفوظ في حديث عائشة - رضي الله عنها - ذكر العصر، ورواية حماد بن سلمة شاذّة. انتهى (٣).


(١) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه" (٣/ ٣٦٣).
(٢) "الفتح" ١٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨ "كتاب الأطعمة" رقم (٥٤٣١).
(٣) "الفتح" ١٢/ ٥٩ و"عمدة القاري" ٩/ ٥٤٩.