قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}[الطلاق: ١].
فأمر الله - عز وجل - الأزواج الذين لهم عند بلوغ الأجل الإمساكُ، والتسريح بأن لا يُخرجوا أزواجهم من بيوتهم، وأمر أزواجهنّ أن لا يخرجوهن، فدلّ على جواز إخراج من ليس لزوجها إمساكها بعد الطلاق، فإنَّه - سبحانه وتعالى - ذكر لهؤلاء المطلقات أحكامًا متلازمة، لا ينفك بعضها عن بعض:
[أحدها]: أن الأزواج لا يخرجوهن من بيوتهنّ.
[والثاني]: أنهنّ لا يخرجن من بيوت أزواجهنّ.
[والثالث]: أن لأزواجهنّ إمساكهنّ بالمعروف قبل انقضاء الأجل، وترك الإمساك، فيُسرّحوهنّ بإحسان.
[والرابع]: إشهاد ذوي عدل، وهو إشهادٌ على الرجعة إما وجوبًا، وإما استحبابًا، وأشار سبحانه إلى حكمة ذلك، وأنه في الرجعيّات خاصّةً بقوله:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: ١]، والأمر الذي يُرجى إحداثه ههنا هو المراجعة، هكذا قال السلف، ومن بعدهم. قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن داود الأوديّ، عن الشعبيّ:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، قال: لعلّك تَنْدَمُ، فيكون لك سبيل إلى المراجعة. وقال الضحّاك:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: ١]، قال: لعله أن يراجعها في العدّة. وقاله عطاء، وقتادة، والحسن، وقد تقدَّم قول فاطمة بنت قيس: أيُّ أمر يحدث بعد الثلاث؟
فهذا يدلّ على أن الطلاق المذكور هو الرجعيّ الذي ثبتت فيه هذه الأحكام، وأن حكمة أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، اقتضته لعل الزوج أن يندم، ويزول الشرّ الذي نزغه الشيطان بينهما، فتتبعها نفسه، فيراجعها، كما قال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: لو أن الناس أخذوا بأمر الله في الطلاق، ما أتبع رجل نفسه امرأة يُطلّقها أبدًا.
ثمَّ ذكر - سبحانه وتعالى - الأمر بإسكان هؤلاء المطلّقات، فقال:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}[الطلاق: ٦]، فالضمائر كلّها يتّحد مفسّرها، وأحكامها كلها متلازمة،