للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يبق بأيدي الأمة منها إلا اليسير، ثمَّ كيف يُعارِض خبرَ فاطمة، ويَطعن فيه بمثل هذا من يرى قبول خبر الواحد العدل، ولا يشترط للرواية نصابًا؟ وعمر - رضي الله عنه - أصابه في مثل هذا ما أصابه في ردّ خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، وردّه خبر المغيرة بن شعبة في إملاص المرأة حتى شَهِد له محمَّد بن مسلمة، وهذا كان تثبيتًا منه - رضي الله عنه - حتى لا يركب الناس الصعب والذَّلُول في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فقد قَبِلَ خبر الضحّاك بن سفيان الكلابيّ وحده، وهو أعرابيّ، وقبل لعائشة - رضي الله عنها - عدّة أخبار تفرّدت بها.

وبالجملة، فلا يقول أحد: إنه لا يُقبل قولُ الراوي الثقة العدل حتى يشهد له شاهدان، لا سيما إن كان من الصحابة.

فصل:

وأما المطعن الثاني، وهو أن روايتها مخالفة للقرآن، فنجيب بجوابين: مجمل، ومفصّل، أما المجمل، فنقول: لو كانت مخالفةً كما ذكرتم، لكانت مخالفةً لعمومه، فتكون تخصيصًا للعامّ، فحكمها حكم تخصيص قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] بالكافر، والرقيق، والقاتل، وتخصيص قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء: ٢٤] بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، ونظائره، فإن القرآن لم يُخصّ البائن بأنها لا تُخرَج، ولا تَخرُج، وبأنها تسكن من حيث يسكن زوجها، بل إما أن يعمّها، ويعُمّ الرجعيّة، وإما أن يخصّ الرجعيّة.

فإن عمّ النوعين، فالحديث مخصّص لعمومه، وإن خصّ الرجعيات، وهو الصواب للسياق الذي من تدبّره، وتأمله قطع بأنّه في الرجعيّات من عدّة أوجه قد أشرنا إليها، فالحديث ليس مخالفًا لكتاب الله، بل موافقٌ له، ولو ذُكِّر أمير المؤمنين - رضي الله عنه - بذلك، لكان أوّل راجع إليه، فإن الرجل كما يذهَلُ عن النصّ يذهل عن دلالته وسياقه، وما يقترن به مما يتبيّن المراد منه، وكثيرًا ما يذهَلُ عن دخول الواقعة المعيّنة تحت النصّ العامّ، واندراجه تحتها، فهذا كثيرٌ جدًّا، والتفطّن له من الفهم الذي يؤتيه الله من يشاء من عباده، ولقد كان أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - من ذلك بالمنزلة التي لا تُجهل، ولا تستغرقها عبارة، غير أن النسيان والذهول عُرْضةٌ للإنسان، وإنما الفاضل العالم من إذا ذُكّر ذَكَرَ، ورجع.