للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فحديث فاطمة رضي الله تعالى عنها مع كتاب الله على ثلاث أطباق، لا يخرج عن واحد منها، إما أن يكون تخصيصًا لعامّه. الثاني: أن يكون بيانًا لما لم يتناوله، بل سكت عنه. الثالث: أن يكون بيانًا لما أريد به، وموافقًا لما أرشد إليه سياقُه، وتعليلُه، وتنبيهه، وهذا هو الصواب، فهو إذن موافقٌ له، لا مخالفٌ، وهكذا ينبغي قطعًا، ومعاذَ الله أن يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يُخالف كتاب الله تعالى، أو يعارضه. وقد أنكر الإمام أحمد - رحمه الله - هذا من قول عمر - رضي الله عنه -، وجعل يتبسّم ويقول: أين في كتاب الله إيجاب السكنى، والنفقة للمطلّقة ثلاثًا؟ وأنكرته قبله الفقيهة الفاضلة فاطمة، وقالت: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]، وأيّ أمر يحدث بعد الثلاث؟ وقد تقدَّم أن قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: ٢]، يشهد بأن الآيات كلها في الرجعيّات.

فصل:

وأما المطعن الثالث، وهو أن خروجها لم يكن إلا لفحش من لسانها، فما أبرده من تأويل، وأسمجه، فإن المرأة من خيار الصحابة - رضي الله عنهم -، وفضلائهم، ومن المهاجرات الأُوَل، وممن لا يحملها رقّة الدين، وقلّة التقوى على فُحش، يوجب إخراجها من دارها، وأن يمنع حقّها الذي جعله الله لها، ونهى عن إضاعته، فيا عجبًا: كيف لم ينكر عليها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذا الفُحْش، ويقول لها: اتق اللهَ وكُفّي لسانك عن أذى أهل زوجك، واستقرّي في مسكنك؟ وكيف يعدِل عن هذا إلى قوله: "لا نفقة لك، ولا سكنى"، وإلى قوله: "إنما السكنى والنفقة للمرأة التي إذا كان لزوجها عليها رجعة"؟، فيا عجبًا كيف يُترك هذا المانع الصريح الذي خرج من بين شفتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويُعلّل بأمر موهوم لم يعلّل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البتّة، ولا أشار إليه، ولا نبّه عليه؟ هذا من المحال البيَّن. ثمَّ لو كانت فاحشة اللسان، وقد أعاذها الله من ذلك، لقال لها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وسمعت، وأطاعت: كُفّي لسانك حتى تنقضي عدّتك، وكان من دونها يسمع، ويُطيع؛ لئلا يخرج من سكنه.

فصل:

وأما المطعن الرابع: وهو معارضة روايتها برواية عمر - رضي الله عنه -، فهذه المعارضة تُورد من وجهين: أحدهما: قوله: "لا ندع كتاب ربّنا، وسنّة نبيّنا"،