للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول الله أسوة حسنة، مع أنها أحرم الناس عليه، ليس لها عليه رجعةٌ، ولا بينهما ميراث. انتهى.

ولا يُعلم أحد من الفقهاء رحمهم الله تعالى إلا وقد احتجّ بحديث فاطمة بنت قيس هذا، وأخذ به في بعض الأحكام كمالك، والشافعيّ، وجمهور الأمة يحتجّون به في سقوط نفقة المبتوتة، إذا كانت حائلًا، والشافعيّ نفسه احتجّ به على جواز جمع الثلاث؛ لأنَّ في بعض ألفاظه: فطلّقني ثلاثًا، وقد بيّنّا أنَّه إنما طلّقها آخر ثلاث، كما أخبرت به عن نفسها. واحتجّ به من يرى جواز نظر المرأة إلى الرجال. واحتجّ به الأئمة كلّهم على جواز خطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن المرأة قد سكنت إلى الخاطب الأوّل. واحتجّوا به على جواز بيان ما في الرجل إذا كان على وجه النصيحة لمن استشاره أن يزوّجه، أو يُعامله، أو يسافر معه، وأن ذلك ليس بغيبة. واحتجّوا به على وقوع الطلاق في حال غيبة أحد الزوجين عن الآخر، وأنه لا يشترط حضوره، ومواجهته به. واحتجّوا به على جواز التعريض بخطبة المعتدّة البائن، وكانت هذه الأحكام كلها حاصلة ببركة روايتها، وصدق حديثها، فاستنبطتها الأمّة منها، وعمِلت بها، فما بال روايتها تُردّ في حكم واحد من أحكام هذا الحديث، وتُقبل فيما عداه؟ فإن كانت حفظته، قُبلت في جميعه، وإن لم تكن حفظته وجب أن لا يُقبل في شيء من أحكامه. وبالله التوفيق.

[فإن قيل [: بقي عليكم شيء واحدٌ، وهو أن قوله - سبحانه وتعالى -: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} إنما هو في البوائن، لا في الرجعيّات، بدليل قوله عقبه: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] فهذا في البائن؛ إذ لو كانت رجعيّة، لما قيّد النفقة عليها بالحمل، ولكان عديم التأثير، فإنها تستحقّها حائلًا كانت، أو حاملًا، والظاهر أن الضمير في {أَسْكِنُوهُنَّ} هو والضمير في قوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} واحد.

[فالجواب]: أن مورد هذا السؤال إما أن يكون من الموجبين النفقة والسكنى، أو ممن يوجب السكنى دون النفقة، فإن كان الأوّل، فالآية على زعمه حجة عليه؛ لأنه شرط في إيجاب النفقة عليهنّ كونهنّ حوامل، والحكم المعلّق على الشرط ينتفي عند انتفائه، فدلّ على أن البائن الحائل لا نفقة لها.