أذى الناس، فدلّ ذلك على أن من اعتلّ بمثل هذه العلّة في الانتقال، اعتلّ بغير صحيح من النظر، ولا متّفق عليه من الخبر، هذا ما يوجبه عندي التأمّل لهذا الحديث مع صحّته، وبالله تعالى التوفيق.
وإذا ثبت أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة بنت قيس - وقد طُلّقت طلاقًا باتًا -: لا سكنى لك، ولا نفقة، وإنما السكنى والنفقة لمن عليها رجعة؛ فأيّ شيء يعارض به هذا؟ هل يُعارض إلا بمثله عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي هو المبيّن عن الله مراده من كتابه، ولا شيء عنه - صلى الله عليه وسلم - يدفع ذلك، ومعلوم أنَّه أعلم بتأويل قول الله - عز وجل -: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} من غيره - صلى الله عليه وسلم -، وأما الصحابة، فقد اختلفوا كما رأيت، منهم من يقول: لها السكنى والنفقة، منهم: عمر، وابن مسعود، ومنهم من يقول: لها السكنى، ولا نفقة، منهم ابن عمر، وعائشة، ومنهم من يقول: لا سكنى لها، ولا نفقة، وممن قال ذلك: عليّ، وابن عباس، وجابر، وكذلك اختلاف فقهاء الأمصار على هذه الثلاثة الأقوال، على ما ذكرنا، وبيّنّا - والحمد لله -. انتهى المقصود من كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله -.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي حقّقه الحافظ أبو عمر - رحمه الله - من ترجيح القول بما دلّ عليه حديث فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - هو الحقّ الذي لا مرية فيه.
والحاصل أن الصحيح أنَّه لا سكنى، ولا نفقة للمبتوتة، إلا أن تكون حاملًا؛ لحديث فاطمة - رضي الله عنها - هذا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:
[٣٦٩٧](. . .) - (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيز، يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ، كِلَيْهِمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؛ أَنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَاللهِ لَأُعْلِمَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنْ كَانَ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِي يُصْلِحُنِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ، لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:"لَا نَفَقَةَ لَك، وَلَا سُكْنَى").