وعشر، ولم يَرِد عن أبي السنابل تصريح في حكمها لو انقضت المدّة قبل الوضع، هل كان يقول بظاهر إطلاقه من انقضاء العدّة، أو لا؟ لكن نقل غير واحد الإجماع على أنَّها لا تنقضي في هذه الحالة الثانية حتى تضع. وقد وافق سحنون من المالكيّة عليًّا - رضي الله عنه -، نقله المازريّ وغيره، وهو شذوذ مردود؛ لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع.
والسبب الحامل له الحرص على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما، فقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة: ٢٣٤]، عامّ في كلّ من مات عنها زوجها، يشمل الحامل وغيرها، وقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: ٤] عامّ أيضًا، يشمل المطلّقة، والمتوفّى عنها، فجمع أَوَّلئك بين العمومين بقصر الثانية على المطلّقة، بقرينة ذكر عدد المطلّقات، كالآية، والصغيرة قبلهما، ثم لَمْ يمهلوا ما تناولته الآية الثانية من العموم، لكن قصروه على من مضت عليها المدّة، ولم تضع، فكان تخصيص بعض العموم أولى، وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من إلغاء أحدهما في حقّ بعض من شمله العموم.
قال القرطبيّ: هذا حسنٌ، فإن الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول، لكن حديث سبيعة نصّ بأنها تحلّ بوضع الحمل، فكان فيه بيان للمراد بقوله تعالى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} أنه في حقّ من لَمْ تضع، وإلى ذلك أشار ابن مسعود لعبه بقوله:"إن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة"، وفهم بعضهم منه أنه يرى نسخ الأولى بالأخيرة، وليس ذلك مراده، وإنما يعني أنَّها مخصّصة لها، فإنها أَخرجت منها بعض متناولاتها.
وقال ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لولا حديث سُبيعة لكان القول ما قال عليّ، وابن عبّاس - رضي الله عنهما -؛ لأنهما عدّتان مجتمعتان بصفتين، وقد اجتمعتا في الحامل المتوفّى عنها زوجها، فلا تخرج من عدّتها إلَّا بيقين، واليقين آخر الأجلين. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور، من العمل بحديث سُبيعة - رضي الله عنها -، فإذا وضعت الحامل حملها بعد