الخليل، فلا حجة فيه أيضًا؛ لأنَّها حكاية واقعة سُبيعة، وإنما الحجة في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنها حلّتْ حين وضعتْ"، كما في حديث ابن شهاب هذا.
وفي رواية معمر، عن الزهريّ:"حللتِ حين وضعتِ حملك"، وكذا أخرجه أحمد من حديث أبيّ بن كعب - رضي الله عنه -: "أن امرأته أم الطفيل قالت لعمر - رضي الله عنه -: قد أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبيعة أن تنكِح إذا وضعت".
وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى:{أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: ٤]، فعلّق الحلّ بحين الوضع، وقصره عليه، ولم يقل: إذا طهرت، ولا إذا انقطع دمك، فصحّ ما قاله الجمهور. انتهى كلام القرطبي - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو تحقيق حسن جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها:
ذهب جمهور العلماء من السلف، وأئمة الفتوى في الأمصار إلى أن الحامل إذا مات عنها زوجها تحلّ بوضع الحمل، وتنقضي عدّة الوفاة.
وخالف في ذلك عليّ - رضي الله عنه -، فقال: تعتدّ آخر الأجلين، ومعناه أنَّها إن وضعت قبل مضيّ أربعة أشهر وعشر، تربّصت إلى انقضائها، ولا تحلّ بمجرّد الوضع، وإن انقضت المدّة قبل الوضع، تربّصت إلى الوضع، أخرجه سعيد بن منصور، وعبد بن حُميد، عن عليّ - رضي الله عنه - بسند صحيح. وبه قال ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، كما في قصّته مع أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتية في هذا الباب، ويقال: إنه رجع عنه، ويقوّيه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك. وعن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى أنه أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدّتها بالوضع، وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك، وقد ثبتٌ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - من عدّة طرق أنه كان يوافق الجماعة، حتى كان يقول:"من شاء لاعنته على ذلك".
ويظهر من مجموع الروايات في قصّة سبيعة. أن أبا السنابل رجع عن فتواه أَوّلًا أنَّها لا تحلّ حتى تمضي مدّة عدّة الوفاة؛ لأنه قد روى قصّة سبيعة وردّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أفتاها أبو السنابل به من أنَّها لا تحلّ حتى يمضي أربعة أشهر