للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة السادسة): في بيان الحكمة في كون عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا:

قال أبو العبّاس القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما خصّ الله تعالى عدّة الوفاة بأربعة أشهر وعشر؛ لأن غالب الحمل يَبِين تحرّكه في تلك المدّة؛ لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين، ثم تصير علقةً أربعين، ثم مضغة أربعين، فتلك أربعة أشهر، ثم يُنفخ فيه الروح بعد ذلك، فتظهر حركته في العشر الزائد على الأربعة الأشهر، وهذا ما جاء من حديث عبد الله بن مسعود - رَحِمَهُ اللهُ -.

وأنّث عشرًا؛ لأنه أراد به مدّة العشر. قاله المبرّد. وقيل: لأنه أراد الأيام بلياليها، وإلى هذا ذهب كافّة العلماء، فقالوا: عشرة أيام بعد الأربعة الأشهر. وقال الأوزاعيّ: إنما أنّث العشر؛ لأنه أراد الليالي، فعلى قول الجمهور: تحلّ باليوم العاشر بآخره، وعلى قول الأوزاعيّ تحلّ بانقضاء الليلة العاشرة. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

وقال ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: والعشر المعتبرة في العدّة هي عشر ليال بأيامها، فتجب عشرة أيام مع الليالي، وبهذا قال مالكٌ، والشافعيّ، وأبو عبيد، وابن المنذر، وأصحاب الرأي.

وقال الأوزاعيّ: يجب عشر ليال وتسعة أيام؛ لأن العشر تستعمل في الليالي، دون الأيام، وإنما دخلت الأيام اللاتي في أثناء الليالي تبعًا.

وأجيب بأن العرب تغلّب اسم التأنيث في العدد خاصّة على المذكّر، فتُطلق لفظ الليالي، وتريد الليالي بأيامها، كما قال الله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠]، يريد بأيامها، بدليل أنه قال في موضع آخر: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١]، يريد بلياليها. انتهى بتصرّف يسير (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي ما قاله الأولون هو الأرجح؛ لوضوح حجته، فتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المفهم" ٤/ ٢٨٥.
(٢) "المغني" ١١/ ٢٢٤ - ٢٢٥.