نحو ما تقدّم عن ابن بطال، ومنه أخذ ابن بطال، ثم قال ابن فورك: وإنما مَنَعَنا من إطلاق لفظ الشخص أمور: أحدها: أن اللفظ لَمْ يثبت من طريق السمع، والثاني: الإجماع على المنع منه، والثالث: أن معناه الجسم المؤلف المركب، ثم قال: ومعنى الغيرة: الزجر والتحريم، فالمعنى أن سعدًا الزجور عن المحارم، وأنا أشدّ زجرًا منه، والله أزجر من الجميع. انتهى.
قال الحافظ: وطَعْنُ الخطابيّ، ومن تبعه في السند مبنيّ على تفرد عبيد الله بن عمرو به، وليس كذلك، كما تقدم (١). وكلامه ظاهر في أنه لَمْ يراجع "صحيح مسلم"، ولا غيره، من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ، من غير رواية عبيد الله بن عمرو.
ورَدُّ الروايات الصحيحة، والطعن في أئمة الحديث الضابطين، مع إمكان توجيه ما رَوَوْا من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث، وقد
(١) قوله: "كما تقدّم" أراد به ما سبق له في شرح قول البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "وقال عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك: "لا شخص أغير من الله". قال: قوله: "وقال عبيد الله بن عمرو" يعني أن عبيد الله بن عمرو روى الحديث المذكور، عن عبد الملك بالسند المذكور أَوّلًا، فقال: "لا شخص" بدل قوله: "لا أحد"، وقد وصله الدارميّ عن زكريا بن عديّ، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن ورّاد مولى المغيرة، عن المغيرة، قال: بلغ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن سعد بن عبادة يقول، فذكره بطوله، وساقه أبو عوانة يعقوب الإسفرايني في "صحيحه" عن محمد بن عيسى العطار، عن زكريا بتمامه، وقال في المواضع الثلاثة: "لا شخص"، قال الإسماعيليّ بعد أن أخرجه من طريق عبيد الله بن عمر القواريريّ، وأبي كامل فُضيل بن حُسين الْجَحْدريّ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثلاثتهم عن أبي عوانة الوضّاح البصريّ، بالسند الذي أخرجه البخاريّ، لكن قال في المواضع الثلاثة: "لا شخص" بدل "لا أحد"، ثم ساقه من طريق زائدة بن قُدامة، عن عبد الملك كذلك، فكأن هذه اللفظة لَمْ تقع في رواية البخاريّ في حديث أبي عوانة عن عبد الملك، فلذلك علّقها عن عبيد الله بن عمرو. قلت: وقد أخرجه مسلم عن القواريريّ، وأبي كامل كذلك، ومن طريق زائدة أيضًا. انتهى. "الفتح" ١٧/ ٣٨٤ - ٣٨٥ "كتاب التوحيد" رقم (٧٤١٦).