للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يقتضي قصور فهم من فعل ذلك منهم، ومن ثَمّ قال الكرمانيّ: لا حاجة لتخطئة الرواة الثقاة، بل حُكْم هذا حُكْم سائر المتشابهات، إما التفويض، وإما التأويل.

وقال عياض (١) بعد أن ذكر معنى قوله: "ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله": إنه قدَّم الإعذار، والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة، وعلى هذا لا يكون في ذكر الشخص ما يُشكل، كذا قال، ولم يتجه أخذ نفي الإشكال مما ذُكر، ثم قال: ويجوز أن يكون لفظ الشخص وقع تجوُّزًا من شيء، أو أحد، كما يجوز إطلاق الشخص على غير الله تعالى، وقد يكون المراد بالشخص: المرتفع؛ لأن الشخص هو ما ظَهَرَ، وشَخَصَ، وارتَفَعَ، فيكون المعنى: لا مرتفع أرفع من الله، كقوله: "لا متعالي أعلى من الله"، قال: ويَحتَمِل أن يكون المعنى: لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله تعالى، وهو مع ذلك لَمْ يعاجل، ولا بادر بعقوبة عبده؛ لارتكابه ما نهاه عنه، بل حذّره، وأنذره، وأعذر إليه، وأمهله، فينبغي أن يتأدَّب بأدبه، ويَقِف عند أمره ونهيه، وبهذا تظهر مناسبة تعقيبه بقوله: "ولا أحد أحب إليه العذر من الله".

وقال القرطبيّ (٢): أصل وضع الشخص - يعني في اللغة - لجِرم الإنسان وجسمه، يقال: شَخص فلان وجُثمانه، واستُعمِل في كلّ شيء ظاهر، يقال: شَخَصَ الشيءُ: إذا ظَهَر، وهذا المعنى محالٌ على الله تعالى، فوجب تأويله، فقيل: معناه: لا مرتفع، وقيل: لا شيء، وهو أشبه من الأول، وأوضح منه: لا موجود، أو لا أحد، وهو أحسنها، وقد ثبتٌ في الرواية الأخرى، وكأن لفظ الشخص أُطلق مبالغةً في إثبات إيمان من يتعذر على فهمه موجودٌ لا يشبه شيئًا من الموجودات؛ لئلا يفضي به ذلك إلى النفي والتعطيل، وهو نحو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء، فحكم بإيمانها مخافةَ أن تقع في التعطيل؛ لقصور فهمها عما ينبغي له من تنزيهه، مما يقتضي التشبيه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. انتهى (٣).


(١) راجع: "إكمال المعلم" ٥/ ٩٣.
(٢) راجع: "المفهم" ٦/ ٣٠٥.
(٣) "الفتح" ١٧/ ٣٨٥ - ٣٨٧ "كتاب التوحيد" رقم (٧٤١٦).