للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال الجامع عفا الله عنه: هذا خلاصة ما ذهب إليه المؤوّلون الذين لا يُثبتون صفة الشخص، ولا غيرها لله تعالى على ظاهرها، على مراد الله تعالى، بل يصرفونها إلى ما أرادوا من المعاني حسب أهوائهم المتفرّقة، وآرائهم المتمزّقة، والحقّ، والصواب، كما أسلفناه، هو ما كان عليه السلف المصالح، ومن تبعهم بإحسان، وذلك إثبات هذه الصفات التي وردت في النصوص الصحيحة لله تعالى على ظاهرها، على الوجه اللائق به سبحانه تعالى، من غير تشبيه، ولا تكييف، ولا تمثيل، ومن غير تعطيل، ولا تحريف، ولا تأويل.

وقد أجاد الشيخ البرّاك حين قال في الردّ على هؤلاء المؤوّلة: المنكرون لإطلاق لفظ الشخص على الله تعالى؛ كابن بطّال، والخطّابيّ، وابن فُورك، لَمْ يذكروا لهذا الإنكار دليلًا، إلَّا أن إثبات ذلك عندهم يستلزم أن يكون الله تعالى جسمًا، وهذه عين الشبهة التي نفت بها المعتزلة جميع الصفات، ونفى بها الأشاعرة ما نفوا من الصفات، ومعلوم أن الجسم لَمْ يَرِد في الكتاب والسنّة نفيه، ولا إثباته، وهو لفظ مجمل يَحْتَمِل حقًّا وباطلَا، فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى في النفي، ولا في الإثبات، فعُلم أن المنع من إطلاق الشخص على الله تعالى مبنيّ على هذه الشبهة الباطلة التي نُفي بها كثير من الصفات، وهي باطلة، وما بُني عليها باطلٌ، ودعوى الإجماع على منع إطلاق الشخص على الله تعالى، ودعوى التصحيف كلّ ذلك ممنوع، فلا إجماع، ولا تصحيف، ولفظ الشخص يدلّ على الظهور، والارتفاع، والقيام بالنفس، فلو لَمْ يَرِد في الحديث لَمَا صحّ نفيه؛ لعدم الموجب لذلك، بل لو قيل: يصحّ الإخبار به؛ لصحّة معناه، لكان له وجه، وفكيف، وقد ورد في الحديث، ونقله الأئمة، ولم يَرَوْه مُشكلًا، فنقول: إن الله تعالى شخصٌ، لا كالأشخاص، كما نقول مثل ذلك فيما ورد من الأسماء والصفات، والله تعالى أعلم. انتهى كلام البرّاك - جزاه الله خيرًا - وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "أحبُّ": مرفوعٌ على أنَّه خبر المبتدأ الذي هو: "العذرُ"، على التقديم والتأخير، وخبر "لا" التبرئة محذوف؛ أي: لا أحد موجودٌ العذر أحبّ إليه من الله، ويمكن فيه